مقالات
صفحه اصلی   /   مقالات   /   تراجم و رجال   /   الحجة الأمیني طاب ثراه
الحجة الأمیني طاب ثراه
زندگی نامه ای تازه یاب از علامه امینی
الحجة الأمیني طاب ثراه

التمهيد

العلّامة الجليل السيّد محمّد صادق الطباطبائيّ آل بحر العلوم (م. 1399 ه)، من أحفاد سيّد الطائفة السيّد محمّد مهدي بحر العلوم (م. 1212 ه)، ولد سنة 1315، ثمّ درس المقدّمات في مدرسة والده السيّد حسن بحر العلوم، ثمّ أخذ السطوح من أعلام حوزة النجف الأشرف، ثم حضر دروس الخارج العليا لأبحاث الأعلام: الميرزا النائيني والسيّد أبو الحسن الإصفهاني. وأخذ التفسير من العلّامة الشيخ محمّد جواد البلاغي، وعلوم الدراية والرجال من العلّامة الميرزا أبو تراب الخوانساري.
وكان العلّامة المترجم، مولعاً بجمع المخطوطات وحفظها، وتحقيق التراث ونشره، منذ شبابه، فقد حقّق عشرات الكتب من أمّهات المصادر، طبع بعضها ومنها ما لم يطبع حتّى الآن.
يروي بالإجازة عن فحول العلماء، وقد خلّف تراثاً مهمّاً ومؤلّفاتٍ قيّمة، منها موسوعتُه العظيمة في اثنتي عشرة مجلداً، لكلّ مجلدٍ عنوانٌ خاصٌّ به، وتشتمل على الإجازات والتراجم، والأشعار، والرسائل العلميّة في شتّى العلوم، وشرح الأحاديث. وهذه الموسوعة لا تزال مخطوطة رغم نفاستها.
المجلد العاشر من هذه الموسوعة، المسمّاة بالروضة المبهجة المحفوظة في مكتبة العلّامة بحر العلوم برقم: 323،1فهرس مكتبة العلّامة السيّد محمّد صادق بحر العلوم، أحمد علي مجيد الحلّي، مؤسّسة تراث الشيعة، قم، 1431، ص 290 - 295. وراجع ترجمته في الكتاب المذكور، ص 17 - 37. قد ضمّت - من ص 158 إلى‏ 232 - رسالةً مفصّلة في ترجمة العلّامة الكبير الشيخ عبد الحسين الأمينيّ، وقد كتبها سنة 1392 ه. أي: بعد سنتين من وفاة العلّامة الأميني. نقدّمها مصحّحة بين يدي القراء الكرام، ونتقدّم بالشكر الجزيل إلى الأخ الفاضل أبي نور، لتنضيده هذه الرسالة، والأستاذ عبد الحسين الطالعي، لمساعدته في مقابلتها. والحمد للَّه ربّ العالمين.
محسن الصادقي‏
مكتبة الإمام‏
عليّ بن موسى الرضا عليه السلام المختصّة
9 جمادى الآخرة سنة 1434


الصفحة الإولى‏ من الرسالة

الصفحة الأخيرة من الرسالة




الحجّة الأميني طاب ثراه‏


[تقديم‏]

لقد ظَفَر الإسلام - من أقدم عصوره الغابرة حتّى اليوم - بأعلامٍ وقفوا أنفسهم على‏ خدمته خدمةً صالحة، وضحّوا براحتهم الغالية وحياتهم الثّمينة في سبيل نشره قولاً وكتابةً، وقد وثب الإسلام بجهودهم الجبّارة وثبةً كُبرى‏ ليس لها مثيلٌ في سائر الأديان، فترى ركب الإسلام يسير سيراً حثيثاً نحو الهدف المنشود، وقد ثبتت قواعده على أصلٍ أصيل، ونبت زرعه في أرضٍ صالحةٍ، وآتى أُكُلُهُ كلّ حين، وتراهم لا يبالون بالجهود في الحفاظ عليه، ولا يحسّون بثقل العب‏ء وفداحة الجُهد، رغم ما تناوشتهم رماح المعتدين، ونِبال الحاقدين وسيوق المناوئين من كلّ حَدبٍ وصوبٍ، فهم - مع ذلك كلّه - يجمعون من التراث الإسلامي الكثير الطيّب وينشرون الآثار الصالحة المليئة بنتاج أفكارهم الرائقة، وثمار علومهم النّاضجة في العالم الإسلامي وغيره ممّا هو غرّةٌ في جبين الدّهر، وليس القصد من وراء ذلك إلّا ابتغاء وجه اللَّه والدّار الآخرة، أداءً لرسالة النبيّ الأعظم‏صلى الله عليه وآله وسلم، وخدمةً لآثار الأئمّة الطاهرين‏عليهم السلام، ولا هَمَّ لهم سوى‏ خدمة الإسلام، وتركيز قواعده، وانتشال الجاهلين من هوّة الضّلالة إلى ساحل السّلامة، والإصحار بالحقّ الواضح، وبيان الطّريق اللّاحب ﴿أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ﴾2البقرة (2): 157..
ومن أُولئك الأبطال الّذين كرّسوا حياتهم الثّمينة في خدمة الإسلام خدمةً صالحةً صديقنا الحجّة الأميني، الشَّيخ عبد الحسين - قدّس اللَّه سرّه - فقد أنتج بهمّته القعساء وسمّوه في الفضيلة موسوعته القيّمة؛ عديمة النّظير الغدير في الكتاب والسُنّة، تلك الموسوعة التي هي لباب فكره الصّائب، ودائرة معارف فيها ما لذَّ وطاب، مع حججٍ قويّة وبراهين ساطعة لا تقبَل الجَدل، فهي موسوعةٌ نادرة في العلم والأدب والتاريخ والتّراجم، وروضةٌ بهيجةٌ أنيقة ساحرة بالطّرق الأدبيّة الزّاهرة، وهي فوق ذلك دائرة معارف جليلة مهمّة، حاملة بكثير من الآراء الدينيّة السّديدة التي تطمئنّ إليها النفوس الزّائفة الحائرة الغارقة في حنادس الجهالة.
فالكتاب إذاً جاء نبراساً مُنيراً، ودليلاً هادياً لمن أراد الحقّ وطلب الرَّشاد، وآية ذلك ما يجده القارئ الكريم في تضاعيفه، ولا أراني بحاجةٍ إلى إطرائه، غير أنّي لستُ مغالياً إن قلت: إنّه - طاب ثراه - سبق غيره إلى هذا الموضوع وهذا الفنّ العجيب الفريد في بابه، فكان فيه المحلّق والسبّاق، والفائز بالقِدح المعلّى، فقد سدَّ فراغاً بتأليف هذه الموسوعة بما يتعذّر على‏ مثله من المؤلّفين الأعلام، فالكتاب بحقٍّ لونٌ جديدٌ من التأليف، ونوعٌ مُبتكَرٌ، إن دلَّ على شي‏ء فإنّما يدلّ على‏ طول باع مؤلّفه وسِعة اطّلاعه بما أودعه فيه من الآراء الناضجة وأفكاره الصّائبة ونظراته الصحيحة، فقد ضمّت هذه الموسوعة ما تشتهيه الأنفس وتلذّ به الأعين، واستهوت أُولئك الذين حادوا عن الحقّ وأخطأوا الطريق الواضح، فتاهوا في فيافي الجهالة والضّلالة ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾3الحجّ (22): 46.، وللَّه درّ القائل:
العيبُ في العين لا في الشّمس مشرقةً
إن أنكرت مُقلة الخفّاش لئلاها
وبعدُ: فإنّ شيخنا الأميني‏قدس سره شخصيّةٌ فذّة، وذو شهرةٍ واسعة مرموقة، وفي الطّليعة بين أساطين الفنّ ورجال العلم الطّائري الصِّيت، وفضله أشهر من أن ينوّه به أو ينبّه عليه، فحقّ إذاً أن يقول فيه القائل:
وإذا العناية سخّرتك لأمرها
آثرت فضلاً واجتنبتَ فضولا
ورَنَت عيون الخَلق نحوك طُلّعاً
والدّهر أرهف سمعه لتقولا
تهدي العصور إليك من نسج الثّنا
حللاً تجرّر للخلود ذيولا
ويقول بعض الاُدباء من قصيدةٍ أرسلها إليه تبلغ 67 بيتاً، نشرت في أوّل الجزء الثامن من كتاب الغدير:
إيهٍ أمين الشّرق ما حارت بك ال
-منزعات مغرضةً إلى حيث الرّدى‏
كم راح يزرع في طريقك شوكه‏
مَن رحتَ تُلبِسه العُلى والسُّؤددا
والمارد الممسوخ كم لذعتك من‏
كفّيه أظفارٌ كأن خُلقت مُدى‏
قد وَدَّ لو سَدَّ الفضا وأراك من‏
ظلماته قِطعاً وليلاً أسودا
ويداك يحتضنان كلّ فضيلةٍ
لحياته مُذ حادَ عنك وندّدا
وغرست جنّتك التي قد أنبتت‏
في الأرض سبع سنابلٍ كي يحصدا
وقتلتَ نفساً لو جرى نَفَس الضّحى‏
من فوقها لمشى الهوينا واهتدى‏
لا غروَ إنّ الشَّمع يقتل نفسه‏
طمعاً لأن يحيا سواه ويخلدا
تعرّفت بالحجّة الأميني طاب ثراه - منذ أربعين سنةً أو أكثر، وكأنّها أحلامٌ مرّت علينا ونحن غافلون، لم يبق منها إلّا التاريخ والذكريات تسجّلها الأنامل وتقيّد في السِّجل وتحرّر في القرطاس، فيبقى أثرها عَبر القرون والأجيال لتكون عِبرَةً للمُعتبِر، وعِظةً للمتبصّر، وتنبيهاً للغافل.
تعرّفت به يوم كان يحرّر بقلمه السيّال الجزء الأوّل من كتاب الغدير، فدخلتُ داره يوماً أنا وزميلي العلّامة الكبير الحجّة الشَّيخ محمّد علي الأوردبادي الغروي طاب ثراه، فوجدناه مكبّاً على التأليف، يراجع الكتب المبعثرة بين يديه ويوشّح كتابه بما يلتقطه منها، لا يكلّ ولا يملّ، وكان يقرأ علينا ما يمليه، فربما نخالفه في تنسيق بعض الجُمَل، وربما نوافقه، فيرمقنا بعينيه الجذّابتين وملؤهما الحنان، وربما انصاع إلى رأينا فيغيّر الجملة إلى غيرها، فكأنّه لا يريد الاستبداد بالرّأي شأن كلّ طالبٍ للحقيقة، وشأن كلّ مُنصفٍ معترفٍ بالواقع (وقليلٌ هُم).
وهكذا كان شيخنا الأميني طاب ثراه، استمرّ في تنسيق الجزء الأوّل من الكتاب طوال اللّيل والنّهار، ونحن نزوره الفينة بعد الفينة واليوم بعد اليوم فنراه مُكبّاً على‏ عمله، فيقرأ علينا ما نمّقه يراعه السيّال وبيانه الجذّاب حتّى برع في الكتابة كأنّه كاتبٌ عربيٌّ صميم، ثمّ استمرّ في تأليف الكتاب طوال سنين عديدة وأنتج هذه الموسوعة البديعة التي طبع منها في حياته أحد عشر جزءً وباقي الأجزاء لا تزال مخطوطة، وذلك فضل اللَّه يؤتيه مَن يشاء من عباده.
شاءت المقادير والظّروف الخاصّة أن أُبارح النّجف الأشرف فأُفارق هذا الصّديق الحميم طوال ثلاث عشرة سنة قضيتها في لواء العمارة ولواء البصرة لأسبابٍ مشروعة ثمّ أعود إلى الوطن فأجمع مع الصّديق، ومُذ رآني عانقني وعانقته شأن الحبيبين المتفارقين إذا التقيا فينظر إليَّ بعينيه الجذّابتين وقد مُلئ قلبه بهجةً وسروراً، وخاطبني بلسان المحبّة وأبدى أسفه لمغادرتي النّجف الأشرف ومفارقتي لها طوال هذه المدّة، فاعتذرتُ إليه بضرورة المفارقة، فكأنّه - طاب ثراه - لا يرى‏ معذوريتي.
وبالجملة، حيث انتهت مهمّتي في لوائَي العمارة والبصرة ورجعت إلى وطني فما بارحتُ هذا الصّديق وكنتُ أزوره في أكثر الأحيان؛ تارةً في داره واُخرى‏ في مكتبة الإمام أمير المؤمنين‏عليه السلام التي أسّسها، فأجده مُكبّاً على المطالعة والكتابة وتكميل موسوعته الغدير وتهيئة المصادر التي يستقي منها، لا يفتر ولا يملّ ليلاً ونهاراً، وفي خلال ذلك العمل الشاقّ يلاقي زائريه من مختلف الطبقات والأساتذة المسلمين وغير المسلمين بكلّ تجلّةٍ واحترام ورحابة صدر وخُلقٍ جميل، فيطلعهم على المكتبة العامرة ويُلقي عليهم محاضراتٍ علميّة أدبيّة، ويرشدهم إلى واجباتهم نحو الدِّين الإسلامي وضرورة التمسّك به، فيغادرون المكتبة وملؤهم إعجاب وإكبار لهذا البطل العظيم.
أتخطّر أنّ في بعض الأحيان زاره جماعةٌ من الأساتذة في داره يعودونه لمرضٍ ألمَّ به، وكنتُ قد سبقتهم إلى عيادته، وطلبوا منه أن يكشف لهم حقيقة (الولاية)، فجلس كالأسد الرّابض وألقى‏ عليهم محاضرةً قيّمةً في معنى الولاية للنبيّ وآله عليهم السلام بما أبهرَ عقولهم، واتّفق خروجي معهم فوجدتهم يطرون هذا البطل بمل ألسنتهم ويعجبون من سِعَة اطّلاعه لما كشف لهم عن حقيقة الولاية ومغزاها.
وهكذا كان - طاب ثراه - مع كلّ زائرٍ يزوره، وهكذا كان مع كلّ سائلٍ يسأله من غوامض المسائل التي يوجّهها إليه، فيُجيب عنها بكلّ وضوحٍ وبيان، وكنتُ في بعض الأحيان حاضراً معهم وأسمع ما يُجيب فيزداد إكباري له.
كان - طاب ثراه - كثيراً ما يرتاد مكتبتي الخاصّة في مدرسة القوام التي كنت سكنتها مدّة عشرين سنة تقريباً، وفيها بعض الكتب المخطوطة التي ترجع إلى عهدٍ قديم من التاريخ، وفيها بعض المخطوطات التي نسختها بخطّي عن النّسخ القديمة لبعض الأعلام، وفيها من المطبوعات المتنوّعة، واتّفق أن زار المكتبة في نهار شهر رمضان وهو صائم وكان الحرّ شديداً إذ صادف شهر تمّوز وحَرّ النّجف لا يوصَف لشدّته، ولم تكن المراوح الكهربائيّة آنئذٍ معروفة، فقلّب الكتب وقيّد وسجَّل والحَرّ يسيل من جميع جوانبه وهو لا يكترث حتّى إذا حلّ وقت الزّوال فارقتَهُ وهو في المكتبة لأرقد في سرداب المدرسة أو بيتي وقايةً من الحرّ الشديد، وبعد ساعتين أو ثلاثة صعدتُ إلى المكتبة فرأيت هذا الأسد رابضاً والكتب مبعثرة بين يديه فيغمرني العَجب من جَلده وصبره الذي لا يطيقه كلّ أحدٍ في طريق خدمة العلم إلّا من أُوتي حظّاً كبيراً وتسديداً إلهيّاً وتوفيقاً عظيماً.
واتّفق أن تشرّفت بالحرَم الشريف العلويّ لزيارة الإمام عليه السلام فوجدتُ هذا المؤمن الصالح جالساً قِبالة وجه الإمام عليه السلام جِلسة الحزين الكئيب، والدّموع تسيل على لحيته المباركة وهو يقرأ بعض ألفاظ الزيارات ويُخاطب الإمام‏عليه السلام بكلماتٍ لا أسمعها جيّداً، ثمّ يُبارح الحرم المقدّس ودموع عينيه لا تنقطع، فيرجع توّاً إلى المكتبة ويستمرّ بالكتابة والمطالعة، فكأنّه يطلب من الإمام‏عليه السلام وهو في الحرم المقدّس مساعدته في تكميل موسوعته.
كثيراً ما كان يقصد زيارة أبي عبد اللَّه الحسين‏عليه السلام في كربلاء راجلاً مع ثلّة من صفوته المؤمنين الأخيار، فيستمرّ سفره اليومين أو الثلاثة، يُحدّثني بعض من سافر معه في الطريق أنّه لا يفتر في طريقه الطويل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلقاء المحاضرات العلميّة الدينيّة حتّى يصل إلى كربلاء، فلم يكن له هَمٌّ سوى الحضور بمشهد الإمام عليه السلام، فيحلّ فيه ودموعه تسيل على لحيته المباركة، ويزوره زيارةً لم يُعهد من غيره مثلها، ولا غَروَ فإنّه يعرف حقيقة الإمام‏عليه السلام ومنزلة الشهيد في سبيل إعلاء كلمة الإسلام .


نبذةٌ من حياته‏


ولادته ونشأته وأسفاره

وُلد - طاب ثراه - في تبريز سنة 1320ه ، وأخذ المبادئ العلميّة من والده العلّامة الميرزا أحمد ابن المولى نجف علي الشهير بالأميني. وبعد أن أتمَّ المبادئ حضر في مدارس تبريز وأخذ العلوم من أساتذته الأعاظم وحجج الإسلام أمثال الحاجّ السيّد محمّد المشهور بمولانا مؤلّف مصباح السّالكين المطبوع بتبريز، والحاجّ السيّد مرتضى الخسروشاهي صاحب كتاب إهداء الحقير في معنى حديث الغدير والشَّيخ حسين مؤلّف هداية الأنام المطبوع، ومن ثمّ هاجر إلى النّجف الأشرف مدينة العلم والتشيّع لتكميل علومه والاستفادة من المناهل العذبة، فحضر على الحجج والعلماء الأعلام؛ منهم العلّامة الحجّة السيّد أبو تراب الخوانساري المتوفّى سنة 1346ه والعَلَم الحجّة السيّد محمّد الفيروزآبادي المتوفّى سنة 1345ه ، وأجازه كلٌّ من السيّد أبو الحسن الإصفهاني، والميرزا محمّد حسين الإصفهاني (الكمپاني)، والشَّيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء، والسيّد ميرزا علي آغا الشيرازي، والحجّة المشهور الشَّيخ عبد الكريم اليزدي الحائري القمّي، إجازة الاجتهاد، واستحصل إجازة الرّواية من جمعٍ كثيرٍ من العلماء، وكلّ هذه الإجازات بخطوط المُجيزين محفوظة اليوم عند ولده البارّ الاُستاذ الفاضل الشَّيخ رضا، ثمّ عاد إلى وطنه تبريز لنشر علمه وإرشاده بينهم، وكان هناك يرقى المنبر للخطابة، وكانت محاضراته تدور حول التوحيد والأخلاق، وقد شكّل جمعٌ من أصدقائه المخلصين مجالس محاضراته القيّمة، وكانت المجالس تُعقد هناك في ليالي الجمعة ويومها من كلّ أسبوع، هذا عدا شهر محرّم وصفر وشهر رمضان، وكانت له طوال هذه الأيّام والأشهر مجالس عدّة لو جُمعت لكانت كتاباً قيّماً، ثمّ عاد إلى مدينة العلم النّجف الأشرف وأكبَّ على التأليف والتصنيف فألّف كتباً جَمّةً.
ثمّ سافر إلى إيران في شهر رمضان سنة 1365ه ، وعند وصوله إلى كرمانشاه احتفّ به جمعٌ من أصدقائه وألحّوا الطّلب منه في البقاء عندهم للاستفادة منه، فأجابَ طلبهم، وهيّأوا له جامع أمين الدولة، فأخذ يُقيم بهم صلاة الجماعة الظّهر والعصر ويرقى أعواد المنبر بعد الفراغ من الصلاة ويُلقي عليهم محاضراتٍ في التوحيد والنبوّة والإمامة، وكانت محاضراته تستغرق أكثر من ساعة ونصف ساعة كلّ يوم، وقُدِّر عدد الحاضرين للاستماع منه بخمسة عشر ألفاً، فأفاض بمحاضراته إفاضةً بليغةً، وتركت في نفوسهم أثراً كبيراً ممّا جعلهم يلهجون بذكره وإطرائه.
ثمّ سافر إلى خراسان، وبعد وصوله إلى مشهد الإمام الرِّضاعليه السلام ألحَّ عليه وجوه المدينة والمتديّنون بأن يُلقي عليهم دروساً إصلاحيّة، فأجاب طلبهم، وهيّأوا له مدرسة معتمد خان، فرقى‏ صهوات المنبر وكان يُلقي عليهم المحاضرات كلّ ليلة وتستغرق كلّ جلسةٍ أكثر من ساعتين، وقد ضُبطت محاضراته على أشرطة التسجيل، وهي تحوي دروساً عاليةً في التوحيد والنبوّة والإمامة، واستمرّت عشر ليال.
ثمّ سافر إلى إصفهان في شهر صفر سنة 1376ه ، وبقي هناك شهراً كاملاً يلقي في أيّامه محاضراتٍ علميّة دينيّة - بطلبٍ من أعلامهم - في مسجد سيّد ومسجد نو ومسجد جامع، ويحضر مجلس محاضراته زهاء عشرة آلاف من المستمعين من جميع الطّبقات، فبعد أن يُقيم صلاة الجماعة بهم يرقى المنبر فيُفيض عليهم من علمه الفيّاض ومن منهله العذب، وقد ألّف بعض الحاضرين في مجالس محاضراته كتاباً فارسيّاً سمّاه يك ماه در اصفهان، طبع سنة 1376ه4بقلم فَرهَنگ نَخَعي، كاتب خراساني‏، وفي كلّ ذلك كان موضع إعجاب من أهالي إصفهان وتقديرٍ لمقامه العلميّ.
وقدّم كثير من الأعلام والأهالي في إصفهان مكتباتهم إليه ليجعلها ضمن مكتبة الإمام أمير المؤمنين‏عليه السلام، وقد ذُكر في آخر الكتاب المذكور فهرسٌ منظّم بأسماء المتبرّعين المذكورين فبلغوا 76 شخصاً، كما أنّهم قدّموا له أموالاً طائلةً لتكون رصيداً لمكتبة الإمام عليه السلام .
ثمّ غادر إصفهان آخر شهر صفر، وشيّعه علماء إصفهان والوعّاظ والمتديّنون وجمعٌ كثير يربو عددهم على‏ ستّة آلاف إلى خارج البلد حتّى فرسخين منه متأسّفين على مغادرته بلدهم، وودّعوه وداع الحبيب لحبيبه، فوصل طهران ومنها رجع إلى النّجف الأشرف لتكميل موسوعته الغدير، وكان في تكميلها جاهداً لإصدار أجزاء الكتاب الذي هو مفخرة للطائفة.
ثمّ سافر إلى العواصم الهنديّة سنة 1380ه ، ونحن ننقل للقرّاء الكرام ملخّص هذه الرّحلة الميمونة ممّا ذكره نجله البارّ الاُستاذ الفاضل الشَّيخ رضا الأميني في صحيفة المكتبة، العدد الثاني المطبوع بطهران، قال أدام اللَّه تأييده:
كنتُ أرى‏ منذ مدّةٍ غير قريبة كثرة الخوض من سماحة آية اللَّه المجاهد المصلح والدنا الأجلّ في الحديث عن الثروات العلميّة والآثار والمآثر الإسلاميّة المودعة في الدِّيار الهنديّة، وكنتُ أشعر منه شوقاً أكيداً، ورغبةً شديدةً في السّفر إلى تلكم الدِّيار والبلاد المعجبة من جلّ نواحيها، غير أنّ اشتغاله بطبع كتابه الضّخم الفخم القيّم الغدير مرّةً في النّجف الأشرف، واختلافه إلى إيران لمرّته الثانية، أضف إليه دؤبه المتواصل بإتمام بقيّة ذلك العمل المشكور والأثر الخالد الباقي مع الأبد، والاُمّة المسلمة في أمسّ حاجة إلى كتابٍ كهذا يجمع صفوفها ويوقفها على‏ صالحها، ويدلّها إلى المهيع اللّحب، ويُريها الحقيقة الرّاهنة، ويلمسها باليد ناصعة الجبين، واضحة المعالم، سافرة الوجه.
كان هذا وذاك يرجئه عن غايته المتوخّاة، وكانت نهضته العلميّة الدينيّة هذه عاقته أن يولّي وجهه إلى تلك السفرة الميمونة النّاجعة، وكان - أدام اللَّه وجوده - ينتهز فرصة الوقت ويراه قريباً ونحنُ نراه بعيداً، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ﴾5الحجّ (22): 40..
وقد أنتجت تلك النّهضة الباهضة، وسعيه المتواصل دون كتابه الكريم دائرة المعارف الإسلاميّة - بعدما شاهد رأي العين حاجة المجتمع الدّيني حائجة وافتقار الملأ العلميّ مأنساً إلى مكتبةٍ عالميّةٍ عامّةٍ كبرى‏، تحوي وسائل روّاد العلم والفضيلة، وتضمّن رجالات البحث والتنقيب عن التراث العلميّ، كلّما ألّفته يد السّلف والخلف في كلّ علمٍ وفنٍّ بشتّى اللّغات والألسن - فكرة تأسيس «مكتبة الإمام أمير المؤمنين‏عليه السلام العامّة» في عاصمة الفقه والعلم والدِّين، ومرتكز لواء الخلافة الإسلاميّة الكبرى‏ ومهبط حَمَلة الثقافة من أرجاء العالم من الحواضر الإسلاميّة، ومحطّ رحل العرب والعجم وسروات المجد والنُّبل من مختلف الاُمم.
ولّدت هذه الخاطرة الخطرة رحلاته المتتابعة وراء جمع مدارك كتابه الكريم، وراء مطالعاته العريضة، مهما وجد الأوساط العربيّة مفتقرةً إلى تلك الاُصول الحاوية للثّروات العلميّة، فاقدةً منابع الحياة الروحيّة التي بها تحيا الاُمم، وتتأتّى لها السعادة مع الأبد .
فقام - حيّاه اللَّه وبيّاه - بأعبائها، وشمَّر ساعد الجدّ والاجتهاد لتحقّق أمله ونيل مُناه، وهو أمل المجتمع البشري، وبغيّة كلّ من أسلم وجهه للَّه وهو مُحسن، واُمنية كلّ ثقافيّ يحمل شعور الرقيّ والتقدّم، ومأرَب المُصلِح النّابه الشّاعر بجراثيم العبث والفساد، أحسّ ضرورة المكافحة عن صالح اُمّته، ولبّى‏ دعوته رجالٌ عاملون وجدوا تلك الفكرة السّامية بذرة الحياة، فريضة الخدمة للإنسانيّة، ورأوا النهوض بذلك المشروع المقدّس من الصالحات الباقيات، والموازرة دونه تحفّظاً على الحياة السّعيدة، فمهّدوا له السُّبل بكلّ ما اُتوا من حَولٍ وطَول، حتّى بُنيت لها بنايةً ضخمة فخمة عامرة بنايةً زاهرة، زادت تلك السّاحة المقدّسة بهاءً وجمالاً، وعظمةً وكرامة.
فغدت هذه الهاجسة السامية الثانية بمفردها داعيةً قويّةً إلى الرّحلة المباركة نحو القطر الهنديّ، وكان ذلك قدراً مقدوراً، فحقّق اللَّه أملهُ، وتأهّب للسّفر، وكان من عظيم ما منَّ المولى‏ - سبحانه - به عليَّ أن اختارني لخدمة بطل دينه المدافع الوحيد عن ناموس الإسلام المقدّس، والنّاهض دون العترة الطاهرة، واختصّني بهذه الكرامة، وحَباني بهذه النعمة السّابغة، وغمرني فضل سيّدي الوالد العظيم باستصحابي في سفره هذا، كما كنت أقومُ بخدمته في جلّ رحلاته قبلُ، وذلك ذُخري في حياتي منذ نعومة أظفاري، وبفضله أُباهي وأفتخر، وما التّوفيق إلّا باللَّه، وله الحمد على ما أنعم.
وقد استغرقت هذه الجولة المباركة أربعة أشهر، بدأت بيوم 24 شعبان المعظّم، وانتهت ب 25 من شهر ذي الحجّة الحرام سنة 1380ه ، ولم تمض لنا تلكم الأيّام السعيدة إلّا ونحن نتراوح في خزائن الكتب في مختلف الأمصار.
وقد طلبتْ اُمّةٌ كبيرة من بلاد العرب والعجم - وفي مقدّمتها الهيئة المؤسّسة لمكتبة الإمام أمير المؤمنين‏عليه السلام - والهيئات التي أُسّست في الحواضر الإسلاميّة لقرّاء الغدير والأخذ من دروسه العالية، نشر تفاصيل هذه السّفرة الميمونة، ونحن وإن لم يسعنا المجال بنشرها والتوجّه إلى جميع نواحيها واستقصائها والبحث عنها على‏ ما يروم ذلك الجمّ الغفير، غير أنّنا نأخذ منها في هذه العُجالة نبذةً يهمّ الملأ الثقافي أن يوقف عليها، ونحيل البحث عنها على‏ وجه يحقّ أن يبحث عنها إلى تأليفٍ مفردٍ يخصّ بها.
ثمّ ذكر - دام إفضاله - عرضاً موجزاً عن الجمهوريّة الهنديّة، وتواريخ ورود والده قدس سره إلى كلٍّ من بلادها، ومشاهدة مكتباتها، واحتفاء أهلها به، واستفادته من المكتبات العامّة والخاصّة، ونسخ جملةٍ وافرةٍ من الكتب المخطوطة الأثريّة التي تضمّها هذه المكتبات العظيمة، ووصفها وصفاً كاملاً، وعدد ما فيها من الكتب باللّغات العديدة، واجتماعهم بعلمائها الأعلام.
وقد وصلوا مدينة كانپور من البلاد الهنديّة في اليوم 21 من شهر رمضان المبارك بعد الزوال بساعة واحدة زواليّة، وفوجئوا بازدحام أفواج المستقبلين وهي تموج في بناية المحطّة الشاهقة العجيبة المدهشة، والفئام من النّاس يهرعون، ومن كلّ صوبٍ وناحيةٍ ينسلّون، زرافاتٍ ووحداناً، وفي مقدّمتهم الجمعيات الدينيّة، وقد بشّر الجميع النبأ السارّ، والبِشر بادٍ في محيّاهم، وهتافات السرور قد عَلت، ودوّخ الفضاء نداء الترحيب بالوافد الكريم، وملأت الجوّ تلكم المشاعر التي كانت تمثِّل ما تنطوي عليه روحيّة أُولئك الغيارى‏ من عقيدة وإيمان، وحُبٍّ صميم، وولاءٍ خالص، وشوقٍ مؤكّد إلى عاصمة العلم والدِّين (النّجف الأشرف) واعتزازٍ صادقٍ بصاحب الشخصيّة العلميّة الكبيرة الذي وجدوه بين ظهرانيهم، وهو يمثّل القيادة الروحيّة بأسمى‏ صفاتها.
وفي ليلة ال 22 من شهر رمضان أقامت الهيئات الدينيّة حفلةً تأبينيّة حافلة بذكرى شهادة الإمام الطّاهر أمير المؤمنين‏عليه السلام في قاعةٍ كبيرةٍ واسعةٍ جدّاً، أُضيئت كالنّهار بالمصابيح الكهربائيّة، وأحاطت بها مكبّرات الصوت من ضواحيها، وأعلنت الجمعيّات نبأ الحفلة بين أبناء الاُمّة المسلمة على مذاهبها المختلفة بنشراتٍ وُزِّعت في جميع أرجاء البلد، حتّى أن تتاح لعامّة النّاس زيارة بطل الدِّين المناضل، وتلتقط ما ينثر في ذلك الحفل الدّيني بلسان أعظم شخصيّةٍ عالميّة دينيّة، من غرر الْكَلِمَ ، و دُرر الحِكَم، وتصيخ إلى ما يُلقيه هذا المصلح الأمين من خطابه النّاجع، وبيانه المُفعَم بالأوضاح، فكان مشهداً تأريخيّاً عظيماً حافلاً، هُرع إليه النّاس من أصقاع البلد من الطوائف الإسلاميّة وغيرها، دون اختصاصٍ بأهل ملّةٍ ونحلة من الملل والنّحل، إلى أن ازدحم الموضع بالحضور، وحضر فيه جمعٌ كثيرٌ يعدّ بالآلاف رابياً على‏ عشرةٍ كاملةٍ عنها، فلمّا حان الوقت، وانعقد الحفل، واستقرّ الجمع، وتُليت آيٌ من الذِّكر الحكيم، ارتقى شيخنا المتكلِّم الأوحد منصّة الخطابة، وافتتح بالمقال، فحمد اللَّه وأثنى‏ عليه، وذكر النبيّ الأعظم وآله بالصلاة عليهم، وتلا آية الولاية من القرآن الكريم، ثمّ ألقى دروساً عاليةً حول الإسلام المقدّس وولايته الكبرى، ومرتكز لوائها، وفصّل القول في أنّ الولاية المطلقة العامّة التي لا يشذّ عنها إنسانٌ قطّ، ولم يُستثن منها أحداً إنّما هي ولاية اللَّه جلّ وعلا، وقد قَرَنَ اللَّه بها في مُحكَم كتابه ولاية نبيّه صاحب الرّسالة الخاتمة، وولاية وصيّ عرشه، فقال: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾6الأحزاب (33): 33.، فهي ولايةٌ واحدة ليس إلّا، على‏ سياقٍ واحدٍ، لا تنفكّ ولاية اللَّه عن الولايتين، ولا تفترقان هما عنها، وبذلك أوصى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم اُمّته، سنّة اللَّه التي لا تبديل لها، فقال‏صلى الله عليه وآله وسلم: «أوصي مَن آمنَ بي وصدّقني بولاية عليّ بن أبي طالب، من تولّاه فقد تولّاني، ومَن تولّاني فقد تولّى اللَّه عزّ وجلّ».
وعلى‏ هذا كانت بيعة السَّلف كما قال عقبة بن عامر: «بايعنا رسول اللَّه‏صلى الله عليه وآله وسلم على أنّ اللَّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً نبيّه، وعليّاً وصيّه، فإن تركنا الثلاثة كفرنا».
وهذه الولاية هي ركن الإسلام، وجوهرة الإيمان، وحقيقة المبدأ المقدّس، وروح الأعمال، لا يقبل اللَّه عمل عاملٍ إلّا بها، ويصحّ سلب الإيمان عن إنسانٍ لا يوالي العترة الطاهرةعليهم السلام وفي مقدّمتهم سيّدهم ومولانا أمير المؤمنين‏عليه السلام، ولا يتمّ لأمرئٍ فضل التوحيد والتصديق باللَّه وبرسوله له إلّا بها، كما كان لم يتأتّ البلاغ لصاحب الرسالة الخاتمة إلّا بنبأ الولاية العظيم، وذلك قوله تعالى‏: ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾7المائدة (5): 67. وقد أكمل اللَّه بها الدِّين، وأتمّ بها النّعم كلّها، ورضي الإسلام ديناً، يوم نادى بها الصّادع الكريم في مائة ألفٍ أو يزيدون، فالإسلام المرضيّ للَّه ولرسوله هو الإسلام المقرون بالولاية، المنعوت في كتاب اللَّه العزيز بيوم بلاغها، وإلى هذا ينزّل ما جاء في الصِّحاح والمسانيد عن الصّحابة الأوّلين والتابعين لهم بإحسان، مثل قول عمر بن الخطّاب ثاني الخلفاء بالانتخاب الدستوريّ: «عليٌّ مولى من كان رسول اللَّه مولاه، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن»، وبقوله: «اعلموا أنّه لا يتمّ شرفٌ إلّا بولاية عليّ».
وقد تفرّغ الشَّيخ للبحث عن الموضوع، وبذل مجهوده في تدعيمه وإقامة الحجّة والبرهنة له، وأفرغه في بوتقة البيان حتّى أعاد السّهم إلى النّزعة بحججٍ ساطعة، وبراهين من الكتاب والسنّة قويّة، وسردَ ما جادت به أقلام أعلام الحديث من رجالات المذاهب الإسلاميّة حول هذه الأثارة من العلم من الكلم الكثير الطيّب، فصرم الحديث وتفرّق الجمع، والقلوب واعية بعدما أصاخ الحضور إلى البحث ساعتين، والكلّ قد قضى منه العَجب، وفتنهم خطر الموقف، وأدهشتهم قوّة العارضة، وأهالتهم عظمة الحديث، وأعجبتهم جَودة السّرد في هذا المرتقى الصّعب، وحيّرتهم سجاحة الكلام، ولطفه ورقّته في مثل هذا الموضوع الغلق، وأثّرت في نفوسهم غرابة المقال ولطافته، وصدّق الخُبر الخَبر.
هذا عرضٌ موجزٌ عن سفرةٍ لم تستغرق أكثر من ثمانٍ وأربعين ساعة قُضيت في كانپور بين ظهرانيّ اُمّةٍ مسلمةٍ بقيت - بعدما غادرها شيخنا - متعطّشةً بتلهّف وشوقٍ إلى الوَعظ والنّصيحة والإرشاد الدّيني».
وهكذا كانت سيرته في كلّ بلدٍ من بلاد الهند التي دخلها، فيعِظ ويرشد ويلقي المحاضرات الدينيّة على أهلها، ويدخل مكتباتها، ويطّلع على مخطوطاتها ويستنسخ ما يروق له منها ممّا يتعلّق في موضوع كتابه الغدير، فكان يدخل إلى بعض المكتبات مثابراً على المطالعة والكتابة والاستنساخ كلّ يوم بين إحدى عشرة واثنتي عشرة ساعة لا يكلّ ولا يملّ، شأن الرِّجال الذين صرفوا أعمارهم في سبيل الثقافة الإسلاميّة وخدمة الدِّين الحنيف ﴿أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ﴾8البقرة (2): 157..
ووجدتُ بخطّ شيخنا الأميني طاب ثراه - وصفاً رائعاً للمكتبة الناصريّة في لكهنؤ زارها، كتبه بتاريخ 24 ذي القعدة الحرام سنة 1380ه ، وهذا نصّه:

بسم اللَّه الرّحمن الرَّحيم، وللَّه الحمد
كان لمكتبة الناصريّة العامرة في هواجس ضميري مثالٌ ما أعظمه وأكبره منذ وقفت على‏ تآليف مؤسّسيها أبطال العلم، وحجج المناظرة، وآيات الحِجاج، وأعلام الدِّين، ورجال المذهب، من تشييد المطاعن و عبقات الأنوار و استقصاء الإفحام إلى‏ آثار ومآثر خالدة مع الأبد، المزدانة بها مكتبات الدُّنيا، وكنتُ أغدو وأروح وشوقي إليها فادح، أنتهز الفرصة، وأتشوّق حيناً بعد حين إلى أن أُتيح لي السّفر إلى ديار الهند، وزيارة مكتباتها المفعمة بالنفائس، منّاً مِن اللَّه تعالى وله الشُّكر وألف شكر، فبدأت بزيارة هذه المكتبة الزّاهرة، وألقيت عصا السّير في لكهنو شهر رمضان من سنتنا هذه سنة 1380ه ، فغدوت أختلف إليها وأصرف دون الاستثمار من خطّها اليانع ليلي ونهاري، وأقضي في البحث عمّا فيها من الثَّمر الشهيّ جُلَّ وقتي، فوجدتها ثروةً علميّةً طائلةً إسلاميّةً، جَمَعَتْها يد الهمّة القعساء والقدرة والكرامة، ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، فما شاهدت طيلة حياتي - حتّى الآن مع كثرة ما شاهدتُ من المكتبات الحافلة في أمصار الشرق وأرجاء البلاد الإسلاميّة - مكتبةً كهذه جامعةً لنفائس الآثار، ونوادر الأسفار، حاويةً للتّراث العلمي من شتات كلّ علمٍ وفنٍّ.
وإنّي وإن أقدر جدّاً جميع مكتبات هذه القارّة وتعجبني مكتبة علي گره ورامپور و پتنه، وفي كلٍّ منها نوادر وغرر تخصّ بها، وفيها آثارٌ قيّمة هي نواميس الإسلام المقدّس، ومآثر باقية من آثار السّلف الفطاحل - غير أنّ مكتبة الناصريّة هي أعظمها خطراً، وأجمعها أثراً، وأهمّها مكانةً، فسلام اللَّه على‏ سلفٍ صالحٍ أسّسها، وعلى‏ خلفٍ بارٍّ يُقيم إودها، ويدير شؤونها، ويتحفّظ عليها، ويبذل الجهد في توطيدها.
والذي يورث الهَمّ، ويجلب الغَمّ، ذهول هذه الاُمّة المسلمة الذّاهلة عن صالحها عن العناية بهذه المكتبة الفخمة، وبغيرها من المكتبات في هذه المدن، إلى جوّها البارد، ولعمري لو كان عُشر هذه الآثار في إحدى مكتبات الغرب لكانت الدُّنيا ملآنةً بصخب الدّعاية إلى أهلها، ونعرات الاعتزاز بها، والتفاني دونها، وإذاعة إكبارها وإعظامها، وكانت تأخذ في المجتمع العلمي الثقافي العالميّ أهميّةً كبرى‏ يشغل ذويها صفحات الصّحف، ويعمّ حديثها الجرائد والمجلّات، وتسمع أُذن الدُّنيا ذكرها من الإذاعات العالميّة، غير أنّها بيدنا ونحن نحن وحظّنا في المجتمع معلومٌ محدودٌ :
في فيَّ ماءٌ وهل‏
ينطق مَن في فِيهِ ماءُ
فأسأل المولى - سبحانه - أن يقيّض من الاُمّة مَن يشعر قيمة هذه الثروة الغالية، ويحمل بين جنبيه روح العمل، ونشاط النّهضة، والحركة العلميّة، والسّعي وراء صالح الاُمّة، ويقوم بواجب خدمتها، حتّى يتأتّى لروّاد الفضيلة الأخذ من هذه الذّخائر الثّمينة التي فيها الحياة الروحيّة، وتقدّم الإنسانيّة السامية، ورُقيّ أبناء القرآن الكريم، وإعلاء كلمة التوحيد، كلمة العدل والصّدق، وليس على اللَّه بعزيز، والحمدُ للَّه أوّلاً وآخراً.9 خاتمة المطاف في البلاد الهندية.

***

اعتزم - طاب ثراه - على الأوبة إلى وطنه العزيز - عاصمة العلم والدِّين (النّجف الأشرف) مشهد سيّد المسلمين، صنو النبيّ الأعظم، أمير المؤمنين‏عليه السلام، ومرتكز خلافته - في الساعة السابعة بعد ظهر يوم 19 ذي الحجّة الحرام، فغادر بمبئى بطائرات الخطوط الجويّة الإيطاليّة إلى‏ كراچي ومنها بعد استراحة ساعة إلى‏ طهران، ومنها بعد وقفة سويعات إلى‏ بغداد، ومنها إلى النّجف الأشرف، وتمّت السفرة المباركة أربعة أشهر.
كان هذا عرضاً موجزاً لرحلة شيخنا الأكبر، شيخ الفقاهة والتأليف المجاهد الأميني إلى الدِّيار الهنديّة للوقوف على‏ كنوزها الإسلاميّة القيّمة ومكتباتها العامّة العامرة المشحونة بالنفائس والآثار القديمة، وقد اقتصرنا منها على‏ هذا الوجيز اليسير.
وقد أورد هذا الموجز من الرّحلة الهنديّة شبل الأميني البارّ الاُستاذ الشَّيخ رضا - دام فضله - في صحيفة المكتبة - العدد الثالث المطبوع، فحيّاه اللَّه وبيّاه ووفّقه لمراضيه، وجعل مستقبل أمره خيراً من ماضيه.
ثمّ سافر - طاب ثراه - إلى سوريا، وقد أورد تفصيل رحلته إليها في كتابه سيرتنا وسنّتنا، ونحنُ نقتطف موجزاً منه، قال رحمه الله :
أُتيحت لنا في سنتنا هذه (1384ه)، زيارة ديار الجمهوريّة العربيّة السوريّة، وأقمنا بها أربعة أشهر، واستفدنا من مكتباتها العامرة القيّمة المشحونة بالنّوادر والنّفائس من التراث العلمي الإسلامي من الكتب المخطوطة بخطوط حفّاظ الحديث و أئمّة الفقه والتفسير، ورجال العلم والفضيلة والأدب، واتّصلنا من أساتذتها ورجالها الأفذاذ بأُناسٍ لم نقارقهم إلّا مُعجبين بملكاتهم الفاضلة، ونفسيّاتهم الكريمة، وحسن طويّتهم، وجميل عشرتهم ومحاسن أخلاقهم.
ونزلنا بحلب الشّهباء إثنين وعشرين يوماً، وكنّا نسهر في كلّ تلكم اللّيالي محتفلين، والحفل مكتظٌّ بوجوه البلد والأساتذة وروّاد الفضيلة، وأبناء الدِّين، وكانت ترِد إلينا أسئلةٌ هامّةٌ في مواضيع دينيّة، وأبحاث علميّة ناجعة، نبحث عنها بصورةٍ صافيةٍ بجميع نواحيها، وربما كان يستوعب البحث من الساعة الثامنة الزواليّة إلى الساعة الواحدة أو أكثر بعد نصف اللّيل.
ثمّ ذكر - طاب ثراه - الأسئلة التي وردت إليه والجواب عنها بصورةٍ مفصّلةٍ، طُبع هذا الكتاب في النّجف الأشرف سنة 1384ه ، واُعيد طبعه ثانياً بطهران في سنة 1386ه في 144 صفحة، وترجم إلى اللّغة الفارسيّة، وطبعت ترجمته في إيران سنة 1388ه .
وحديث رحلته الأخيرة - هذه - إلى سوريا سنة 1384ه لو جُمعت نوادرها وشتاتها، وألّفت مقالاتها ومقاماتها، وسجّلت رسالاتها وخطاباتها لجاءت كتاباً مفرداً مفعماً بالطّرائف والظّرائف، وقد أخذ أبناء تلك الاُمّة العربيّة المسلمة وأساتذتها ورجالها النُّبلاء دروساً عاليةً ناجعة من علمه المتدفّق، ومحاضراتٍ طائلةً حول أبحاثٍ قيّمة تقصر عنها باع كثيرٍ من حَمَلَة العلم والدِّين، أخذت بمجامع قلوب سامعيها، وولّدت في نفوسهم رغبةً عظيمةً في علوم الولاية المطلقة العامّة، خصيصة آل اللَّه أهل البيت الطاهر عليهم السلام.
وقد أُقيمت له حفلاتٌ تكريميّةٌ حافلةٌ في دمشق وحلب ومعرّة مصرين والفوعة وكفريا ونبّل، وساهم فيها جلّ رجال تلكم الدِّيار الأماجد، وقد ألقيت في تلك الحفلات كلماتٌ عسجديّة نظماً ونثراً في الثناء عليه، والإعراب عن مبلغه من المقامات والكرامات، كلّها مسجّلة في كتابه سيرتنا وسنّتنا.
وقد بعث كثيرون من أعلام السُّنة ورجال الطائفة من هذه البلاد كتباً إليه بعد أوبته من سوريا، تعرب عمّا أثّرت رحلته الكريمة في نفوس أهليها، توجد نصوصها - اليوم - عند ولده البارّ الشَّيخ رضا الأميني.
هكذا فليكونوا رجال التبليغ والإرشاد والدّعاية إلى اللَّه تعالى وإلى دينه القويم ونشر رسالة النبيّ الأعظم والأئمّة الطاهرين صلوات اللَّه عليهم.

جدّه و والده

أمّا جدّه المولى‏ نجف علي، فكان مشهوراً بأمين الشَّرع، ومن هنا اتّخذ شيخنا الحجّة الأميني هذه النسبة إلى جدّه المذكور، وكان من أهالي آذربايجان، وكانت ولادته سنة 1257 ه ، وتوفّي سنة 1340ه ، وكان من الاُدباء وأفاضل أهل العلم ديناً و ورعاً، ذا نفسٍ عاليةٍ، ومولعاً بجمع أخبار الأئمّة الأطهارعليهم السلام، وقد ألّف مجموعةً في ذلك، كما أنّه كان شاعراً في اللُّغتين الفارسيّة والتركيّة، وهي موجودة عند أولاده النّجباء.
وأمّا والده الشَّيخ ميرزا أحمد فقد ولد في قرية سردها من نواحي تبريز سنة 1287ه ، وفي أوائل عمره بقي في تلك القرية، وفي سنة 1304 ه جاء إلى تبريز لتكميل دروسه، فأخذ بعض المقدّمات من أُستاذه المرحوم العلّامة الميرزا أسد اللَّه، المتوفّى في طهران سنة 1325ه ، أو سنة 1326ه ، وهو ابن الميرزا محسن التبريزي صاحب الحاشية على المكاسب، ثمّ حضر على‏ علماء عصره، وكانت له شخصيّةٌ علميّة في تبريز، وقد شهد له الزّعيم الكبير آية اللَّه الميرزا علي آغا الشيرازي الغرويّ المتوفّى سنة 1355ه ، والعَلَم الفقيه الميرزا علي الإيرواني الغرويّ المتوفّى سنة 1354ه ، بالعلم والفضل.
وقد اجتمعتُ به في النّجف الأشرف في سنة زيارته لها، وكان من المعروفين بالورع والصّلاح وحسن السّيرة، وقد توفّي في طهران في 29 ربيع الأوّل سنة 1370 ودُفن بقمّ.

مؤلّفاته وآثاره

قال بعض الأعلام: «ما أكثر لفظ التّصنيف على الألسن، وما أخفى‏ معناه عن عقول الرِّجال، ليس التصنيف ضمّ كلمةٍ إلى كلمة وجملةٍ إلى جملة، وسرد حلقات السّطور، وتنسيق نظام الألفاظ بطلاوةٍ ولباقةٍ، ولا كدّاً بالقلم ونقشاً من اليراع وتحويل بياض إلى سواد، وإخراج سوادٍ إلى بياض، ولا الاسترسال بالقول، والإشباع في الكلام، بتحويرٍ وتحبير، وتلفيقٍ وتزويق، ولا وضع المجلّد على المجلّد، وتنضيد كتابٍ إلى كتاب، حتّى تتراءى صحفاً منشورة، وكتباً مسطورة.
كلّا ؛ إنّ التصنيف معنىً دقيق المسلك، غامض المرمى‏، لا يحوم حوله إلّا الأوحديّ من النّاس، ومن تداركه اللَّه بتوفيقه، إنّ التصنيف مفتاح رتاج الحقائق الرّاهنة، ومظهر أسرار العلم، ومنهاج إبراز ما أودع في صدور حملَة الحقيقة من معاني غامضة، وأسرارٍ كامنة، تبثّ بها روح المعرفة، وجوهر الحياة في العالم البشريّ، وهو الذي لولاه لاندرست الحقائق وانطمست أعلامها، واختفت ودايع النبوّة، فلا يُرى لها عينٌ ولا أثر، وامتزج الحقّ مع الباطل، واختلط الحابل بالنابل، فإنّ اللّسان وإن كان وسيلةً إلى إلقاء ما في الضّمائر من المعاني، إلّا أنّها ألفاظٌ متفانية لا يوجد آخرها إلّا بعد ذهاب أوّلها، عرضٌ حائل، وظلٌّ زائل، لا يستفيد منها الغائب، ولا ينتفع بها اللّاحق، لا يزداد مداها على‏ مكانٍ محدود الجوانب، وجمعٍ محتشدٍ حول المتكلّم، على أنّ السّامع إذا غفل عن كلمةٍ في سرد الكلام، أو نكتةٍ في نظام البيان، لم يزَل في حيرةٍ وسدر، وبهتةٍ وغفلة لا يجد سبيلاً إلى استيفاء الماضي، وتدارك الفائت، وأمّا التصنيف فآثاره خالدة وفوائده باقية، ينتفع به الحاضر والغائب، وتستفيد منه طبقات البشر، على‏ كرّ الغداة ومرّ العشيّ، فيبقى لصاحبه الأثر الزّاهي على صفحات الدّهر وجبين الزّمان، لا يبليه الجديدان ولا تمحوه طوارق الحدثان، ولذلك قد تمدّح اللَّه - سبحانه - في كتابه المجيد مِنَّةً على العباد بوصفه نفسه: ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾10 العلق (96): 4.، وقد استفاض عن أئمّة الهُدى‏عليهم السلام أمر أصحابهم بكتابة ما يسمعونه من الأخبار قائلين: «سيجي‏ء على النّاس زمانٌ لا يأنسون إلّا بكتبهم».
هكذا كانت تصانيف الحجّة الأميني طاب ثراه، فإنّها تحتلّ المكانة السامية بين كثيرٍ من المصنّفات التي دبّجتها يراعة علماء الشيعة الذين عزَّ على الدّهر أن يأتي لهم بمثيل، ولم تزل أيضاً غرّةً ناصعةً في جبين الدّهر، وناصية الزّمن، فقد ألّف وصنّف وأبدع وأحسن، وإليك جملةً وافرةً من مصنّفاته التي عثرنا عليها، والتي نمّقها قلمه السيّال، ممّا هو مشحونٌ بالدّرر واللّئالئ المنظّمة.
1. شهداء الفضيلة: وهو كتابٌ، فنّي، تاريخيّ، أدبيّ، مبتكرٌ في موضوعه يتضمّن تراجم شهداء علمائنا الأعلام، من القرن الرابع الهجري إلى عصره الحاضر، وهم مائة وثلاثون شهيداً، وقد قرّض الكتاب المغفور له زعيم الشيعة الأكبر آية اللَّه سيّدنا السيّد أبو الحسن الإصفهاني الغروي طاب ثراه، المتوفّى سنة 1365ه ، فقد قال:
... وبعدُ فقد أطلقت سراح النّظر في هذا السِّفر الشريف شهداء الفضيلة فلم أجده إلّا في ظنّي الحسن بمولّفه العلّامة الأمينيّ علَم العلم والأدب، رجلٌ الدّعاية الدينيّة وهو كما شاء له العلم والفضيلة، والحيطة والبصيرة، فحيّاه اللَّه تعالى من مجاهدٍ دون مناجح اُمّته، ومناضلٍ عن شرف قومه، وناشرٍ لفضل رجالات أهل نحلته، فإنّه - مع ما ابتدع وابتكر، وحاز قصَب السّبق فيمن غبر وحضر، وأقرَّ عين الاختراع، وسرَّ قلب الإبداع بجمع شتات مآثر شهداء الفضيلة الذين هم في الجبهة السّنام، من الفضل الظاهر والمجد المؤثل، والشّرف الوضّاح - قد أودع في هذه الصحيفة البيضاء كثيراً من الدروس العالية، الثّمينة، العلميّة، التاريخيّة، الأدبيّة، الأخلاقيّة، مع جودة البيان، وحسن التعبير، وبديع الأسلوب، ودقّةٍ وتحقيق، وأمانةٍ في النقل، فإلى المولى أبتهلُ في أن يعضده، ويشدّ أزره في نشر صالح الاُمّة، وبثّ مآثر الطائفة، وإحياء دوارسها، ويوفّقه عوناً للشريعة والشّيعة.
وممّن قرّظه أيضاً سيّد الطائفة الحاج آغا حسين الطّباطبائي القمّي الحائري‏رحمه الله المتوفّى سنة 1366ه ، فقال:
... وبعدُ فإنّ شهداء الفضيلة للعالم العَلم، البارع المتبحّر الكامل، ميرزا عبد الحسين الأميني التبريزي - دامت معاليه - سِفرٌ بديعٌ شريف، وطرزٌ جديدٌ لطيف، له رياضٌ ممرعة، وحياضٌ مترعة، أبدع ما توخّته الهمّة، وتباهي به هذه الاُمّة، واشتمل على مآثر دينيّة، ومزايا أخلاقيّة، وفوائد أدبيّة، وفرائد تاريخيّة، يكشف من كثرة تتبّع صاحبه، ومزيّة تبحّر مؤلّفه، فللَّه درّه، وعلى اللَّه أجره، وهو حسبنا ونِعْمَ الوكيل.
وممّن قرّظه أيضاً فقيه الطائفة آية اللَّه الحاج الشَّيخ محمّد حسين الإصفهاني الغرويّ‏رحمه الله، المتوفّى سنة 1361 ه ، فقال:
... حسن الانتخاب دليل عقل المرء ومبلغ رشده، وشارة نضجه في التفكير، كما أنّ جودة السّرد آية براعته، وراية نبوغه، (المرء مخبوٌّ تحت لسانه لا طيلسانه).
لقد أسمت سرج اللّحظ في هذا السِّفر الوحيد الذي هو بين يديّ، ألا وهو كتاب شهداء الفضيلة فوجدته - على‏ ما فيه من العلم والتاريخ الصحيح، والتتبّع والتحقيق البالغ، والأمانة في النقل بما لا مزيد عليه - جامعاً للفضيلتين.
(أمّا حسن الانتخاب) ففي موضوعه المبتكَر الذي لم يسبق مؤلّفه العلّامة أيُّ أحدٍ في إفراده بكتاب، على كثرة المعاجم وتحرّي كلٍّ منها منحىً بديعاً من مناحي الفنّ، غير أنّ ذكريات (شهداء الفضيلة) ممّا لم يهتد إليه الباحثون، مع ما له من أهمّية كُبرى‏ في صفحات التاريخ والأدب، وهنالك أفذاذٌ من الشهداء لم تدوّن تراجمهم، وكادت أن تذهب مساعيهم لصالح الدِّين والمسلمين إدراج الرِّياح، لكنّ المؤلّف العلّامة البارع زانَ بذلك الذِّكر البائد صحيفته البيضاء، وأعاد إلى التراجم المبثوثة خلال الكتب جِدّتها، فجاء وقد أُعطي كتابه بيمينه وملؤه مآثر ومفاخر، فجزاه اللَّه عن اُمّته خير جزاء المحسنين.
(وأمّا جودة السّرد) فأحسب أنّ في الوقوف على الكتاب نفسه غنىً عن أيّ إطراءٍ وتقريظ، فهو في فصاحة منطقه وبلاغته في الإفادة وجمال محيّاه، وبداعته في الطّرز وحسن تحبيره نسيج وحده، ولقد جاء في الإنشاء وسطاً بين القديم والجديد، فلم يهله عن بيان الحقيقة تسجيعٌ فارغ، ولا استهوته إلى الإسهاب عصبية العصر، لكنّه جرى على الطريقة المُثلى‏، لا يبغي إلّا سرد الحقائق، فإن جادت طرافة الطبع بسجعٍ مستحسنٍ لم يأب عنه، وإلّا فلا يكلّف نفسه بالعسف، فذانك برهانان على‏ عبقريّة المؤلّف (الأمينيّ) في الفنّ ونبوغه في الفضيلة، وتقدّمه في البراعة، وأنّه من أفذاذ الدّهر وحسنات العصر، ورجالات الاُمّة، وإنّي أقدّر جهوده في سبيل ما صدع به بلمّ هذا الشّعث، وشعب هذا الصّدع، وجمع تلكم الشتات، فمرحىً به من سعيٍ مشكور وزهٍ بها من عاطفة شاعرة، وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّدٍ وآله.
وممّن قرّظه أيضاً شيخنا الحجّة البارع الشَّيخ آغا بزرك الطهراني الغروي‏رحمه الله مؤلّف الذّريعة المتوفّى سنة 1389ه ، فقال:
... وبعدُ فلقد جاس خلال هذه الرّوضة الغنّاء رائد النّظر، فما وقف إلّا على حدائق ذات بهجة تنافح فيها نسائم السّحر، يوم قد جاء به مؤلّفه الأميني مبلّجاً بالشَّرف اللّامع، والعلم السّاطع، فنشر فيه عرفاً دون لطائم المسك، ونضّد عقوداً درّ يد تزين المعاصم، وأقراطاً تشنّف المسامع، قد عادت ذكرى لحديث مجدٍ تالد، وتجديداً لقديم شرفٍ خالد، فلعمرو الحقيقة إنّها صحيفةٌ بيضاء أعطيت أيمان أُولئك الشهداء، تُتلى‏ على‏ مرّ الأعوام والحقب، وتعلو على‏ مدوّنات الصّحف والكتب، حيث أنّها معيدة لأُباة الضَّيم أيّ ذكرٍ مجيد، ومذكّرةً لذوي الحفائظ أيّ مأثرةٍ حميدة من إيثارهم الحياة الأبديّة، والعزّ المخلّد على البقاء تحت نِير الهَوان، فمضوا ملتحفين بأبراد الشّهادة، مكتسين مطارق السّعادة، فحيّاها اللَّه من عاطفةٍ حيّة، وحسّيات حسنى‏، وحيّا المؤلّف العلّامة البارع علَم عِلم اليقين، جمال الملّة والدِّين، بما أسدى على اُمّته من يدٍ واجبة وسعيٍ مشكور، وحباه الرّب الغفور عن السّعداء الشّهداء بما هيّأه لهم في دار السّرور.
وممّن قرّظه أيضاً صديقنا العلّامة الحجّة الشَّيخ محمّد علي الأردوبادي الغروي‏رحمه الله، المتوفّى سنة 1380ه ، كتبه لمّا هبط تبريز سنة 1352ه ، قرّظه بقصيدةٍ غرّاء تحوي ثلاثةً وثلاثين بيتاً أُدرجت في مقدّمة شهداء الفضيلة، مطلعها:
عِقد جمانٍ قد زها متّسِقا
فيخطف الأبصار منه ألفا
فلا يجاري زهوَهُ زَهرُ الرّبى‏
ولا يُدانيه التداوي نسقا
أم أنّ هذا فَلك المجدُ به‏
ذا وضح الصّبح يزين الأُفقا
فدونها الجرباء في نجومها
إذ قد شأى بدر السّماء مؤتلفا
أم أنّها الدُّنيا وفي عراصها
قد حشد (النّدب) المعالي فيلقا
يقول فيها:
وصاغه (شيخ العُلى‏) أساوراً
تزين منها مِعصماً ومرفقا
إذ نقد التاريخ نقداً فائقاً
سبائك التّبر يبذّ الورقا
(عبد الحسين) المقتدى من فضله‏
ما تنثر الأيّام درّاً يقفا
وإن تضع منه بها مأثرةً
فقل فنيت المسك منه سحقا
جادَ به الزمان قل في صدف‏
عن جوهر العلياء منه انفلقا
إلى‏ أن قال:
شادَ بذكر عابرٍ لمن مضى‏
حتى استجدّ فخرهم واستوسقا
وقد أعاد مجد أمسٍ دابرٍ
حتى كأنْ عاد لمن فيه البقا
(الشُّهداء) المصطفون خلّدت‏
لها اللّيالي هديها والموثقا
وعاش كلّ عيشة راضية
حتّى‏ إذا ما اقتاده شوق اللّقا
خلّد في التاريخ ذِكراً باقياً
وفي الجنان للمعالي استبقا
فدُم مدى الأيّام يابن أحمدٍ
أنت وشرع المصطفى‏ في ملتقى‏
وقد طُبع كتاب شهداء الفضيلة في النّجف الأشرف سنة 1355ه في 394 صفحة، وأُلحق به - بعد الطبع - مستدركاً بخطّه يضمّ جملة اُخرى من الشهداء مع تراجم لهم، كما علّق عليه تعليقاتٍ نافعةً بخطّه.
2. رياض الاُنس: في جزءين، كلّ جزءٍ يشتمل على ألف صفحة، ولا يزال مخطوطاً.
3. تفسير سورة فاتحة الكتاب: لا يزال مخطوطاً.
4. تفسير آية ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ﴾11الأعراف (7): 173. إلخ: لا يزال مخطوطاً.
5 . تفسير آية ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾12الغافر (40): 11 إلخ: لا يزال مخطوطاً.
6. تفسير آية ﴿وَللَّهِ‏ِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾13الأعراف (7): 180. إلخ: لا يزال مخطوطاً.
7. تفسير آية ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾14الواقعة (56): 7 - 8. إلخ: لا يزال مخطوطاً.
8 . العترة الطاهرة في الكتاب العزيز: لا يزال مخطوطاً.
9. أدب الزّائر ممّن يمّم الحائر: طبع في النّجف الأشرف سنة 1362ه .
10. سيرتنا وسنّتنا: وهو يتضمّن محاضرة ألقاها في حلب الشهباء سنة 1384 تتضمّن الإجابة على‏ سؤال وُجّه إليه من قِبل أحد شخصيّات حلب العلميّة حول غلوّ الشِّيعة في حبّ آل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وإقامة المآتم العزائيّة لسيّد الشهداء الحسين بن عليّ بن أبي طالب‏عليهما السلام، والدؤب بالتأبين له كلّ يومٍ والتعبّد بتربته والالتزام بالسجدة عليها.
وقد أجاب على السؤال بجوابٍ ضافٍ، وعنون - قبل الخوض في بحث إقامة المآتم والسّجود على التربة الحسينيّة - للمسائل المهمّة التالية:
1. معنى الحبّ والبُغض.
2. حبّ اللَّه تعالى في الإسلام.
3. حبّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.
4. حبّ آل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وعليهم.
5 . جملة من بواعث حبّهم.
6. أهل البيت أمانٌ لأهل الأرض .
7. حبّ الاُمّة تقصر عن هذه البواعث.
8 . نفي الغلوّ في الحبّ.
9. الحسين ومأتمه وكربلاؤه.
وفي ثنايا هذا البحث يذكر أربعةً وعشرين مأتماً أقامها رسول اللَّه‏صلى الله عليه وآله وسلم على‏ ريحانته في بيوت اُمّهات المؤمنين، وفي مسجده، وفي مجمع الصحابة، فيريهم الحسين الرّضيع وتربة كربلائه في يده ويقول لهم: «إنّ اُمّتي يقتلون هذا وهذه تربة كربلاء» وهو باكٍ وعيونه تدمع، وقد صحّح شيخنا الأميني أسناد هذه المآتم والمواقف التاريخيّة الإسلاميّة الهامّة التي احتفظ التاريخ منها على‏ هذا النّزر اليسير.
وبعد الإفاضة في القول وتصحيح متون الروايات ورجال أسنادها عنون بحثاً خاصّاً للسّجدة وما يصحّ السجود عليه، والسّجدة على تربة كربلاء، وبرهنَ على‏ صحّتها. يقع الكتاب في (144) صفحة، طُبع في النّجف الأشرف سنة 1384، وفي طهران سنة 1386ه .
11. ثمرات الأسفار إلى الأقطار: في جزءين، لا يزال مخطوطاً.15طبع بعد ذلك في أربع مجلّدات محقّقاً.
الجزء الأوّل يقع في 347 صفحة، يحوي ما اطّلع عليه شيخنا الأميني‏رحمه الله من الكتب القيّمة والمخطوطات الثّمينة في مكتبات الهند.
أوّله: الحمد للَّه على ما أنعَم، والصّلاة والسّلام على نبيّنا الأعظم، وآله المطهّرين بالكتاب المكرّم، قال الأميني عبد الحسين أحمد النّجفي صاحب كتاب الغدير السائر الدّائر: أُتيحت لي الرّحلة في سنة 1380ه إلى الدِّيار الهنديّة فأقمتُ بها أربعة أشهر، وزرت مكتباتها الإسلاميّة العامّة العامرة المكتظّة بالنوادر والنفائس من التراث العلمي الإسلامي، واقتطفت من ثمارها الشهيّة، وجمعت من علمها النّاجع لدى مطالعاتي هذه الكراريس، وألّفت هذه المجموعة من شواردها ما وقفت عليه في غضون تلكم الكتب القيّمة، وهذه قائمة ما طالعناه واتّخذناه كمصدر لبقيّة أجزاء كتابنا الغدير من الجزء الثاني عشر وهلّم جرّا.
الجزء الثاني: في 335 صفحة، يحوي ما انتخبته من الطرائف والفوائد والنّوادر من الثروات العلميّة في مكتبات سوريا.
أوّله: هذا فهرست ما وقفنا عليه من الكتب والرّسائل والأجزاء والفوائد والأمالي لرجالات العلم والفقه و أئمّة الحديث والحفّاظ الجلّة ممّا يوجد في مكتبات سوريا، وقد طالعنا هذه كلّها، واتّخذنا ما في هذا الفهرست من مصادر بقيّة أجزاء كتابنا الغدير من الجزء الثاني عشر فصاعداً، وللَّه الحمد.
12. رجال آذربايجان: لا يزال مخطوطاً، ترجم فيه لمائتين وأربعة وثلاثين عالماً وأديباً وشاعراً من رجال آذربايجان، مرتّباً على‏ حروف التهجّي، أوّلهم ميرزا إبراهيم بن أبي الفتح الزنجاني، وآخرهم عزّ الدِّين يوسف بن الحسن ابن الحسن بن محمود السّراي التبريزي الحلّاوي النّجفي.
13. الأسماء الحسنى‏: فيما سمّي به أمير المؤمنين‏عليه السلام في القرآن، مخطوط.
14. تعاليق على‏ مكاسب شيخنا الأنصاري في الفقه، مخطوط.
15. تعاليق على رسائل الشَّيخ الأنصاري في اُصول الفقه، مخطوط.

[الغدير]

16. الغدير في الكتاب والسُّنة والأدب: وهو كتابٌ دينيّ علميّ فنّي تاريخيّ، أدبيّ، أخلاقيّ، مبتكرٌ في موضوعه، فريدٌ في بابه، يبحث فيه عن حديث الغدير، كتاباً، وسنّةً، وأدباً، ويتضمّن تراجم اُمّةٍ كبيرةٍ من رجالات العلم والدِّين، من الذين نظموا هذه الأثارة من العلم وغيرهم.
الغدير - كما وصفه الاُستاذ الكبير شاعر الأهرام المفلق محمّد عبد الغني حسن المصريّ، أحد شعراء الغدير - تحت عنوان في ظلال الغدير فقال:
ليس في هذا العنوان أثرٌ لروح شاعريّة، أو جنوحٍ إلى عاطفة من عواطف الخيال المقتنص، أو ميلٍ إلى شوارد التعبير عمّا يجول في الخاطر الكليل، وإنّما هي حقيقةٌ ناصعة الوجه واليد واللِّسان حين تقرّر أنّ القارئ للغدير يفيي‏ء منه إلى‏ ظِلٍّ ظليل، ويلتمس عنده من راحة الاطمئنان، وحلاوة القرار، ورضى الثقة ما يجده المرء حين يأوي إلى الواحة المخضرّة بعدَ وعثاء السَّفر في بيداءٍ واسعة المتاهات، فيجد في ظِلالها أُنس الاستقرار، وسلامة المقام، ودِعة المصير.
ولن أكون في هذه الكلمة جانحاً إلى خيال، أو محلّقاً في أجواءٍ من التصوّر الحالم، أو الوهم الهائم، ولكنّني سأجتاز هذا (الغدير) عابراً مفكّراً، مقلّباً النّظر في صفحاته الرّجراجة بكلّ فكرة، المتموّجة بكلّ مبحث، مستخرجاً من أصفى لئالئه، وأكرم عناصره ما يعينني عليه تقليب النّظر في شطآنه، وإطالة الذِّكر بين دفّتيه، وكثرة الوقوف على‏ مباحثه كما يقف العربيّ على الدِّيار التي لم يبلها القِدم...
وقد يكون العلّامة الأميني النّجفي مشرباً بحبّ الإمام عليّ وشيعته حين يبذل من ذات نفسه، وحين يبذل من ماء عينيه ما يبتغي به الوسيلة عند أهل البيت العلويّ الكريم، وقد يكون في عمله هذا مستجيباً لنداء المذهب الذي يدين به، فإنّ الحبّ يفرض على المُحبّ من الالتزامات والارتباطات ما يسقط به وجه الاعتراض، ولكن الحقّ الذي يجب أن يُجهر به أنّ العلّامة الاُستاذ عبد الحسين الأميني لم يكن محبّاً متعصّباً، ولا ذا هوىً مطرّفٍ جموحٍ، وإنّما كان عالماً وضع علمه بجانب محبّته لعليٍّ وشيعته، وكان باحثاً وضع أمانة العلم ونزاهة البحث فوق اعتبار العاطفة، ولا يُلام المرء حين يحبّ فيسرف في حبّه، أو حين يهوى فيشتدّ به الهوى‏، ولكن اللّوم يقع حين تميل دواعي الهوى بالمرء عن صحيح وجه الحقّ، وما كان اُستاذنا الجليل في شي‏ءٍ من هذا، وإنّما كان باحثاً وراء الحقيقة، كاشفاً النِّقاب عن وجهها، مُعيناً نفسه بالوصول إليها سافرة الوجه، واضحة المعالِم.
اقتطفنا هذه الكلمة من نصّ الكتاب الذي أرسله الاُستاذ محمّد عبد الغني إلى‏ شيخنا الأميني من القاهرة، بتاريخ 7 ربيع الأوّل سنة 1372ه ، وقد نُشر بنصّه الكامل في مقدّمة الجزء الأوّل من كتاب الغدير فراجعه.
وبعدُ، فإنّ كتاب الغدير الذي سيبلغ عشرين جزءً أو أكثر، يحكي موضوعه باختصار إثبات وصاية وخلافة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب‏عليه السلام من النبيّ الأعظم‏صلى الله عليه وآله وسلم، ونقل النصوص لغدير خمّ وسائر النصوص من طرق علماء السُّنة، آخذاً لها من كتبهم الصحيحة - عندهم - وتواريخ القرون الإسلاميّة المخطوطة والمطبوعة، وإثبات أغراض بعضهم في نقل الأحاديث والتواريخ ممّا لا ارتياب في أنّها تعصبيّة في المذهب، فصحّفوا وحرّفوا وبدّلوا ما شاء لهم الهوى وشاء لهم التعصّب الأعمى‏، و ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾16الفجر (89): 14..
هذا الكتاب بديعٌ في حسن تنظيمه وتنسيقه وإنشائه، وكثرة منابعه ونقل مداركه، فإنّ مؤلّفه قد طالع أكثر من عشرة آلاف مجلّداً من الكتب المختلفة للفريقين ونقل عنها - كما حدّث بذلك نفسه طاب ثراه - وحلّلها تحليلاً دقيقاً، وكشف ما فيها من الحقائق الرّاهنة، وأبانَ ما فيها من المخالفات التي دَعَتهم إليها العصبيّات المذهبيّة، فقد نقلوا أخباراً ورواياتٍ كثيرة عن مجاهيل الهويّة أو المتعصّبين ما شاءت لهم الأهواء.
كتاب الغدير بلغ الغاية في فصاحة بيانه، وتنظيم جمله، وانسجام ألفاظه، ما يعسر على غيره من المؤلّفين أن يضاهيه أو يؤلّف على‏ منواله، ولم يسبقه أحدٌ في هذا الموضوع البديع، وقد بلغ من شهرته في الممالك الإسلاميّة، وسائر المناطق الاُخرى ما لم نعهد لغيره من المؤلّفات بأنواعها، وذلك غيرُ خفيٍّ على القارئ الكريم الذي جانبَ التعصّب ورامَ الحقيقة، وطالع الكتاب بعينٍ مجرّدة.
وقد قرّظ الكتاب جمعٌ كثيرٌ من الملوك والعلماء والأساتذة والكتّاب، ونُشرت تقاريظهم في الأجزاء المطبوعة متتالية.
منهم: الملك المعظّم الأمير عبد اللَّه بن الحسين أمير عمّان، وتاريخه 12 ذي القعدة سنة 1365ه ، وقد نُشر تقريظه في الجزء الثالث من الكتاب، وممّا قال فيه:
أيّها الحبر زُر مقاماً كريماً
وابتهل لي مستغفراً عن ذنوبي‏
واروِ عنّي دعاء عبدٍ فقيرٍ
يشتكي ما يمسّه من لغوبِ‏
فدعاء المحبّ للآل ينفي‏
كلّ خَطبٍ وكلّ هَمٍّ مُريبِ‏
واقر عنّي الإمام أسنى‏ سلامٍ‏
والثم الأرض في المقام الرّهيب‏
ثمّ قال:
... وماذا عساي أن أقول في أثرٍ تصدّى لتأليفه عالمٌ نحريرٌ في حديثٍ نبويّ يتعلّق بالوصيّ‏عليه السلام غير تكرير الشّكر، والرّغبة الصحيحة في أن يروج هذا الكتاب وتكثر الاستفادة منه لدى الخاصّ والعامّ.
والتقريظ لغةً تبادل المدح بين اثنين في أمرٍ من الاُمور، وهذا ما لا أميل إليه، ويروقني أن أقرأ فأنتقد فأحثّ أو أنهى، ولعلّي من الآن أحثّ النّاس على الإقبال على هذه الرسالة السّامية في معناها، الغالية في غايتها، فكتابكم يسرّ أهل البيت وشيعتهم، ويسرّ كلّ مؤمنٍ باللَّه ورسوله، حيث تناول فضائل حيدرة الكرّار أبي السّبطين، المنافح عن رسول اللَّه في المشاهد كلّها، والخارج من الدُّنيا في غير رغبةٍ إليها، والذي قاتل أهل العناد كما قاتل أهل الكفر والشِّرك في أيّامهم والجهاد، فالكتاب في كلّ فقرةٍ من فِقره، وصفحةٍ من صفحاته، وفي مقدّمته وفي نهايته هو للَّه ولرسوله وللآل وشيعتهم ومحبّيهم، والسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
ومنهم: فقيد اليمن الإمام المنصور المتوكّل على اللَّه يحيى بن محمّد حميد الدِّين المتوفّى سنة 1368ه ، وتاريخه 25 رجب سنة 1365ه ، وقد نُشر تقريظه في الجزء الثالث من الغدير.
ومنهم: الملك فاروق الأوّل مليك مصر، وقد نُشر تقريظه في الجزء الخامس من الغدير.
ومنهم: الفيلسوف الشّهير محمّد غلّاب مدرّس الفلسفة في جامع الأزهر، وقد نُشر تقريظه في الجزء الرابع من الغدير.
ومنهم: الدكتور عبد الرّحمن الكيالي، وقد نُشر تقريظه في الجزء الرّابع من الغدير.
(ومنهم): المحامي الاُستاذ توفيق الفكيكي البغدادي المتوفّى سنة 1389، وقد نُشر تقريظه في مجلّة الغريّ النجفيّة العدد 17 من السنة الثامنة ص 415، وفي الجزء الرابع من الغدير.
ومنهم: المحقّق الاُستاذ الشَّيخ محمّد سعيد العرفي، المتوفّى سنة 1376 من مشاهير علماء سوريا، وقد نُشر تقريظه في الجزء السادس من الغدير.
ومنهم: الاُستاذ الكبير عبد الفتّاح عبد المقصود المصريّ، مؤلّف كتاب الإمام عليّ بن أبي طالب‏عليه السلام، وقد نُشر تقريظه في الجزء السادس من الغدير، قال فيه:
... لقد وفّق الرّجل في كلا العرض والدّفاع حتّى فوّت أمام حججه ذرايع المُبطلين، ولم يكن في دفاعه مسوّفاً فحسب بفرط شغفه بالإمام ولكنّه كان أيضاً كالحكَم العدل يزِن في كفّتين ثمّ يسجّل لأيّتهما كان الرّجحان، ولعلّ نظرةً عابرةً يلقيها غير ذوي الهوى‏ على صفحات سِفره - وخاصّةً تلك التي أفردها لسلاسل الوضّاعين والموضوعات - كفيلةً بأن تُريه الأميني بحّاثةً أميناً يتّبع في استخلاص آرائه أدقّ أساليب البحث المنزّه الصحيح.
إنّ حديث الغدير لا ريب، حقيقةً لا يعتورها باطل، بلجاء بيضاء كوضح النهار، وإنّه لنفثةٌ من نفثات الإلهام جاشت بها نفس الرسول الكريم‏صلى الله عليه وآله وسلم، لتقرّر بها قدَر ربيبه وصفيّه وأخيه بين اُمّته وأصفيائه المجتبين، هو حجّةٌ لقدر الإمام نقليّة ولحقّه الهضيم، لم يعوز الأميني إبرازها في سطور سِفره، وإحاطتها بسياجٍ ثابتٍ متينٍ من الأسناد التاريخيّة المنيعة على أراجيف الأهواء، ولمَن شاء أن يخدشها - ظالماً أو جاهلاً - بفريةٍ أن يدلّنا أين بين أُولئكم الصّحابة الأبرار من يسبق ابن أبي طالب حين تُذكَر المزايا والأقدار.
لقد كنتُ - وما أزال - أجعل الخُلق والمواهب ومقوّمات الشخصيّة أقيستي للعظمة الإنسانيّة، فما رأيتُ أمرءاً - بعد محمّد صلى الله عليه وآله وسلم- جديرٌ أن يلحق بذيله أو يكون رديفه قبل أبي سلالته الخيّرة المطهّرة، ولستُ بهذا مدفوعاً بحماسٍ لمذهبٍ أو تشيّعٍ، ولكنّه الرأي الذي تنطق به حقائق التاريخ....
وأمّا ما ذكره الدكتور محمّد غلّاب المذكور في تقريظه، فنصّه:
... وبعدُ: فقد تسلّمتُ الجزءين الأوّل والثاني من كتابكم النفيس الغدير الذي شابه الغدير - حقّاً - في صفائه ونفعه، والذي يلفي الباحث فيه أمنيته على‏ نحو ما يجد المسافر الظامئ في الغدير ما ينفع غلّته، والذي عنيتم فيه بجانبٍ هامٍّ من جوانب التراث الإسلامي، متوخّين الحقائق، متتبّعين الآثار الصّادقة، ومتعقّبين مواطن الشّبه بالتصحيح والنقد.
ونحنُ على‏ يقينٍ من أنّ الشباب العصري الإسلامي سيستفيد من هذه الثمار الشهيّة، لا سيّما أنّ أكثر ما يكتب اليوم غثٌّ خفيف الوزن، تافه القيمة، وإنّ الحركتين العلميّة والأدبيّة قد تحوّلنا إلى حركةٍ تجاريّةٍ بحتة.
ولقد جاءني كتاب حضرتكم في الوقت الملائم لأنّي عاكفٌ على‏ دراسة كثيرٍ من الجوانب الإسلاميّة، وعلى التأليف فيها، ولذا يعنيني كثيراً أن تنكشف أمامي المبادئ الحقيقيّة، والآراء الصحيحة للشِّيعة الإماميّة حتّى لا نكبو بإزاء هذه الفرقة الجليلة - في مثل ما كبا فيه طاها حسين وأحمد أمين وأمثالهما من المحدّثين المتسرّعين...
ومنهم: الاُستاذ الشّاعر الأديب بولس سلامة البيروتي المسيحي، وقد نُشر تقريظه في الجزء السادس من الغدير، وله تقريظٌ ثانٍ نُشر في الجزء السّابع منه.
ومنهم: الاُستاذ الخطيب الشَّيخ محمّد تيسير الشّامي إمام جماعة مسجد السيّدة رقيّة - سلام اللَّه عليها - ، وقد نُشر تقريظه في الجزء الحادي عشر من الغدير.
ومنهم: الاُستاذ البحّاثة صاحب التآليف الفخمة يوسف أسعد داغر البيروتي المسيحي، وقد نُشر تقريظه في الجزء الحادي عشر أيضاً من الغدير.
ومنهم: الاُستاذ الكبير البحّاثة محمّد عبد الغني حسن المصري، صاحب المؤلّفات الممتعة، وشاعر الأهرام المفلق، فقد نظم قصيدةً رائقةً في مدح صاحب كتاب الغدير مقرظاً فيها الكتاب، قال:
حيِّ الأمينيَّ الجليلَ وقُل له‏
أحسنتَ عن آل النبيّ دفاعا
أرهفتَ للدّفع الكريم مناصلاً
وشهَرتَ للحقّ الهضيم يَراعا
وجمعتَ من طول السنين وعرضها
حججاً كآيات الصّباح نِصاعا
وأذبتَ من عينيك كلَّ شعاعةٍ
كالنّور وَمضاً والشّموس شعاعا
وطويتَ من ميمون عمرك حقبةً
تسع الزّمان رحابةً وذراعا
ونزلت ميدان البيان مناضلاً
وشأوت أبطال الكلام شجاعا
ما ضقتَ يوماً بالدّليل ولم تكن‏
بالحجّة الغرّاء أقصر باعا
للَّه من قلمٍ لديك موثّقٍ‏
كالسَّيل يجري صاخباً دفّاعا
يجلو الحقيقة في ثيابِ بلاغةٍ
ويزيح عن وجه الكلام قِناعا
يشتدّ في سبب الخصومة لهجةً
لكن يرقّ خليقةً وطِباعا
وكذلك العلماء في أخلاقهم‏
يتباعدون ويلتقون سِراعا
في الحقّ يختلفون إلّا أنّهم‏
لا يبتغون إلى الحقوق ضياعا
يا أيّها الثّقة الأمين تحيةً
تجتاز نحوك بالعراق بِقاعا
تطوى إليك من الكنانة أربعاً
ومن العروبة أدؤراً ورباعا
إنّا لتجمعنا العقيدة أُمّةً
ويضمّنا دين الهُدى أتباعا
ويؤلّف الإسلام بين قلوبنا
مهما ذهبنا في الهوى أشياعا
ونحبّ أهل البيت حبّاً خالصاً
نطوي القلوب عليه والأضلاعا
يجزيك بالإحسان ربّك مثلما
أحسنت عن يوم الغدير دفاعا
نُشرت هذه القصيدة الغرّاء في مجلّة الرّسالة المصريّة في سنتها الثامنة عشرة - العدد ال 882، الصادر يوم الاثنين 11 شعبان سنة 1369ه ، وذكرت بنصّها في الجزء الثّامن من الغدير في مقدّمته، ونَشَرتها أيضاً مجلّة البيان النجفيّة الغرّاء، بعددها ال 78، من سنتها الرّابعة، ص 174، وشطّرها النّطاسي المحنّك المغفور له الاُستاذ ميرزا محمّد الخليلي النّجفي المتوفّى سنة 1388ه ، صاحب كتاب معجم أُدباء الأطبّاء، ونُشر مع الأصل في مجلّة البيان الغرّاء النجفيّة، بعددها ال 80، لسنتها الرابعة، ص 223.
وللاُستاذ محمّد عبد الغني حسن المذكور قصيدة غديريّة مطلعها:
أمير المؤمنين إليك أزجي‏
ولائي في العشيّ وفي البكور
فمعذرةً إذا ما عَيَّ قولي‏
وشاع العجز في نفسي القصير
مقامك كيف يدركه بياني‏
وقدرُكَ كيف يبلغه شعوري‏
ومنها:
أمير المؤمنين فدتك نفسي‏
كما يفديك في الوادي عشيري‏
وما عذري عن التأخير إلّا
لأنّي جئت في الزّمن الأخير
ومنها:
أمير المؤمنين إليك أهفو
وألتمسُ الوسيلة في اُموري‏
فإنّك بضعةٌ من نور طاها
وإنّك قبسةٌ من خيرِ نورِ
أتمّ اللَّه نعمته عليكم‏
بنطق المصطفى يوم الغدير
ومنهم: الاُستاذ الناقد البصير الشَّيخ محمّد سعيد دحدوح الحلبي، فقال:
... أخذت الغدير وقرأته، وقبل أن أصل عبابه عمتُ فيه وغرفتُ منه، وذقت طعمه، فإذا هو الغدير الأوّل بماءٍ غير آسن، يفيض عذوبةً أصفى من قطرات المزن، ومدامةً أعبق وأطيب من شذا المِسك، وألذّ من كلّ شراب.
ولولا مَن وضع حوله السدود، وأقام أمامه الحواجز من العصور الاُولى لكان مضيئاً على‏ وجه البسيطة، وينتفع به خلق اللَّه أجمعين.
وما أعظمه من غديرٍ وقف فيه الرسول الأعظم‏صلى الله عليه وآله وسلم يُوصي أصحابه واُمّته بابن عمّه، ويحضّهم على التمسّك بهَديهِ، والسّير وراء زوج ابنته الزّهراء، ووالد السبطين عليهم الصلاة والسلام، ولكن كان أمر اللَّه قدراً مقدوراً، وتلك اُمّةٌ قد خَلَت، ونحن الناشئة إن عتبنا على الأوّلين فإنّ عتبنا على الخلف أشدّ وأعظم، وعلى المؤرّخين الجُدد من أبناء عصرنا هذا - أهل السُّنة - أوسع وأكبر.
كنّا نسمع من أساتذتنا - أساتذة الأخذ والتأليف - عفا اللَّه عنهم إن كانوا لا يعلمون - أنّ قصّة الغدير أسطورةٌ صنعتها الشيعة وأيّدها ملوكهم لحوائج سياسيّة، وهذا مبلغنا أو مبلغهم من العلم إذ ذاك، أمّا في زمننا هذا وبعدما قرأت بعض فصول وأبواب وأجزاء الغدير، أراني أمام بحرٍ زاخرٍ لا غديرٍ سائل، فيه اللّؤلؤ والمرجان، والدرّ الوضّاء، نعم فيه الحجّة البالغة، وفيه البرهان الصّريح، وفيه العلم الوافر، وفيه، وفيه ما ليس في وسعي أن اُحصيه وأعدده، كلّها تنطق أنّ النّاس مهما أرادوا أن يحجبوا أضواء البدر، ومهما أتوا بسحبٍ وعوارض تمنع إضاءته فليس في مقدورهم طالما خلّف المرتضى‏عليه السلام أمثالكم شيعةً باعت لذائذ الحياة وترف الزمان وعكفَت على تأيّد الحقّ وإظهار الصواب، وهدي التّائه، وإرشاد الضالّ، بكلّ ما اُوتيت من قوّة.
فنِعْمَ السّلف والخلف أنتُم ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾17الأحزاب (33): 23. مرضيّاً عنه، ومنهم من يعمل خدمةً للإسلام، حتّى يرى ربّه بوجهٍ طلقٍ سجيح، ويلقى هناك النبيّ والصدِّيقين والشهداء والمجاهدين ﴿وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً﴾18النساء (4): 69..
نعم؛ وقفتُ أمام ثبج الغدير وخضت غماره وسبحت فيه، فإذا أمامي مشاهد التاريخ، وأفلام الزّمان، وأقلام المؤلّفين، وفصول الكتب، ونشيد الشّعر، وأريج الحديث، كلّها تدلّني على‏ أنّ الغدير حقٌّ وليس بمختلق، وأنّ النّاس يقولون ما لا يعلمون، إمّا ابتغاءً للفتنة، أو تقرّباً للظالمين، أو جُبناً عن النطق بالصّواب والواقع، فجزى اللَّه مؤلّفه عبد الحسين وحفظه وأبقاه سيفاً صارماً مسلولاً ومناراً للحقّ‏
نُشر هذا التقريظ في الجزء الثّامن من الغدير، وله تقريظٌ ثانٍ قبله نُشر في الجزء الثاني منه .
ومنهم: العلّامة الجليل، والمرجع الأعلى‏، الحجّة الفقيه السيّد محسن الحكيم الطّباطبائي - طاب ثراه - المتوفّى سنة 1390ه ، وقد نُشر تقريظه في الجزء السّابع من الغدير فقد قال فيه:
... وإنّ من فحول هذه الزّمرة المجاهدة مؤلّف كتاب الغدير المحقّق العلّامة الأوحد الأميني دام تأييده وتسديده، وقد سرّحت النّظر في أجزائه المتتابعة فوجدته كما ينبغي أن يصدر من مؤلّفه المعظّم، وألفيته كتاباً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بتوفيقٍ من عزيزٍ عليم، ولقد توفّق كلّ التوفيق في قوّة حجّته وشدّة عارضته، وروعة أسلوبه، وجمال محاورته، وقد ضمّ إلى حصانة الرأي وجودَة السّرد، وإلى بداعة المعاني قوّة المباني، وتفنّن في المواضيع المختلفة فوردها سديداً وصدرَ عنها قويماً.
ومنهم: العلّامة الحجّة السيّد محمّد عليّ القاضي الطباطبائي التبريزي، وقد نُشر تقريظه في الجزء الحادي عشر من الغدير.
ومنهم: علّامة العصر المجتهد الأكبر الشَّيخ محمّد رضا آل ياسين الكاظميّ النّجفي‏قدس سره، المتوفّى سنة 1370ه ، وقد نُشر تقريظه في الجزء الثامن من الغدير.
ومنهم: العلّامة المجتهد الكبير السيّد حسين الحماميّ الموسويّ النجفيّ طاب ثراه، المتوفّى سنة 1379ه ، وقد نُشر تقريظه في الجزء التّاسع من الغدير.
ومنهم: العلّامة الشهير المجاهد المجتهد الأكبر السيّد عبد الحسين شرف الدِّين العاملي‏قدس سره، المتوفّى سنة 1377ه ، وقد نُشر تقريظه في الجزء السّابع من الغدير.
ومنهم: العلّامة الكبير الفقيه والمرجع الأعلى السيّد عبد الهادي الشيرازي النّجفي طاب ثراه، المتوفّى سنة 1382ه ، وقد نُشر تقريظه في الجزء الخامس من الغدير.
ومنهم: العلّامة الكبير الحجّة السيّد صدر الدِّين الصّدر طاب ثراه، المتوفّى سنة 1373ه ، وقد نُشر تقريظه في الجزء العاشر من الغدير.
ومنهم: شيخنا فقيد الاُمّة الإسلاميّة العلّامة الكبير البحّاثة، صاحب كتاب الذّريعة الشَّيخ آغا بزرك الطّهراني الغرويّ - طاب ثراه - المتوفّى سنة 1389ه .19تجد هذا التقريظ في كتاب الكشكول، للمحقّق الطهراني، طبع مكتبة مجلس الشورى الإسلاميّ.
ومنهم: مفخرة علماء العصر العلّامة الحجّة السيّد عليّ الفاني الإصفهاني النّجفي، أحد أساتذة النّجف الأشرف الفطاحل - دام فضله - وقد نُشر تقريظه في الجزء الحادي عشر من الغدير.
ومنهم: العلّامة الفقيه الحجّة السيّد جعفر آل بحر العلوم قدس سره، المتوفّى سنة 1377ه .
ومنهم: العلّامة الكبير الحجّة صديقنا الشَّيخ محمّد عليّ الأردوباديّ الغرويّ‏رحمه الله، المتوفّى سنة 1380ه ، وقد نُشر تقريظه في الجزء الثالث من الغدير.
ومنهم: الأديب الكبير عضو المجمع العلمي العربي بدمشق الشَّيخ سليمان ظاهر العامليّ النّباطي‏رحمه الله، المتوفّى سنة 1370ه ، فإنّه قال في تقريظه مؤرّخاً عام طبع بعض أجزائه سنة 1365ه :
إنّ الأمينيَّ وافى‏
بروضةٍ وغديرِ
أدارَ كأس ولاءٍ
فديته من مدير
في مرتقى خمّ لا في‏
خورنقٍ والسّديرِ
وراح يصدح فيها
بنغمةٍ و هديرِ
بالنصّ من روح وحيٍ‏
من القديم القدير
وقول خير نبيٍ‏
أو نظم حبرٍ جديرِ
حتّى تولّى فأرّخ‏
«إبهاج حقّ الغدير»
سنة 1365

ومنهم: الأديب الكبير الخطيب الشَّيخ محمّد عليّ اليعقوبيّ‏رحمه الله، المتوفّى سنة 1385ه ، قال:
لأحمد يوم خمٍّ في عليٍ‏
نصوصٌ جئنَ بالذِّكر المُبينِ‏
أتى الرّوح الأمين بها متوناً
فأوضح شرحها قلم الأميني‏
ومنهم: الخطيب البارع الأديب الشَّيخ محسن أبو الحبّ الحائري‏رحمه الله، المتوفّى سنة 1369ه ، قرّظه بقصيدة مثبتةٍ في ديوانه المطبوع سنة 1385ه ، يقول في أوّلها:
للَّهِ درّ أبي الهادي وما صنعا
فإنّه خير نهجٍ للهُدى شرعا
عبد الحسين الأميني الفذّ من شكرت‏
يراعه الشّرعة الغرّا بما صدعا
وقد تفضّل في تأليفه كتباً
بها جميع بُغاة العلم قد نفعا
فكم أحاديث في يوم الغدير روى‏
بمثلها ما رأى راءٍ ولا سمعا
هذا موجزٌ من التقريظات، وهي كثيرة نظماً ونثراً، تربو على ستّين تقريظاً، أُدرج بعضها في مقدّمات أجزاء الغدير وبقي الباقي بخطوط المقرّظين لم يتيسّر طبعها.
طُبع من كتاب الغدير حتّى الآن أحد عشر جزءً، وبقيّة أجزائه المخطوطة يتصدّى لطبعها ولده البارّ الاُستاذ الشَّيخ رضا الأميني (مدير مكتبة الإمام أمير المؤمنين‏عليه السلام) على‏ غرار الأجزاء السّابقة، وفّقه اللَّه لنشر الآثار الدينيّة وجزاه خير جزاء المحسنين.
وقد تُرجم المطبوع من هذه الأجزاء إلى اللّغة الفارسيّة بإجازة المؤلّف، وطُبع حتّى الآن منها بطهران جزءان، ترجمه العلّامة السيّد محمّد تقي الواحدي الطّهراني، سمّاه عناية الأمير في ترجمة الغدير ويُستمرّ في طبع بقيّة أجزائه على حساب جامعة التعليمات الإسلاميّة بطهران.

[تحقيق كامل الزيارات‏]

ومن آثار شيخنا الأميني الخالدة تحقيق كتاب كامل الزّيارة الذي هو تأليف شيخ الطائفة وفقيهها المقدّم الشَّيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، المتوفّى سنة 367ه، وقد صحّحه وعلّق عليه تعليقاتٍ أنيقة، وطُبع في النّجف الأشرف بالمطبعة المرتضويّة سنة 1356ه ، يقع في 337 صفحة، وكتب - طاب ثراه - في آخره:
لقد تحرّينا غاية الصحّة في طبع هذا الكتاب القيّم بمقابلته مع نسخٍ عريقةٍ في الصحّة، منها نسخةٌ عتيقة مصحّحةٌ بتصحيح العلّامة ثقة الإسلام النّوري، ونسخةٌ اُخرى مكتوبةٌ في أوائل القرن التاسع وغيرهما من النسخ التي وقفنا عليها في العراق وإيران، ولم يقنعنا ذلك حتّى راجعنا في تصحيح جميع ما في الكتاب من الأحاديث - متناً وإسناداً - الكتب المتأخّرة الناقلة عن الكتاب كالوسائل والبحار والمستدرك وكتب الرِّجال المعتبرة لأصحابنا رضوان اللَّه عليهم، وعلّقنا عليه ما لا غنية عنه للباحث.

[المستنسخات‏]

ومن آثاره‏قدس سره - أيضاً - استنساخ ما يقرب من ثلاثين كتاباً من الكتب المخطوطة النّادرة الوجود.
[1] منها: كتاب دعائم الإسلام، وذكر الحلال والحرام، والقضايا والأحكام عن أهل بيت رسول اللَّه عليه وعليهم أفضل السلام، للقاضي أبي حنيفة النّعمان ابن أبي عبد اللَّه محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي، المتوفّى‏رحمه الله بالقاهرة في 29 جمادى الثانية 363ه ، ويُعرف في تاريخ أدب الدّعوة الإسماعيليّة المستعلية بسيّدنا قاضي القضاة وداعي الدّعاة النعمان بن محمّد، وقد يختصر المؤرّخون فيقولون: القاضي النّعمان تمييزاً له عن صاحب المذهب الحنفيّ، ويطلق عليه ابن خلكان في وفيات الأعيان ومؤلّفو الشيعة الاثني عشريّة أبا حنيفة الشّيعي.
خدم المهديّ باللَّه مؤسّس الدولة الفاطميّة التسع سنوات الأخيرة من حكمه ثمّ ولّي قضاء طرابلس في عهد القائم بأمر اللَّه الخليفة الثاني للفاطميّين، وفي عهد الخليفة الثالث المنصور باللَّه، عُيِّن قاضياً للمنصوريّة، ووصل إلى أعلى المراتب في عهد المعزّ لدين اللَّه الخليفة الفاطميّ الرّابع، إذ رفعه إلى مرتبة قاضي القضاة وداعي الدُّعاة .
كان القاضي النّعمان رجلاً ذا مواهب عديدة، غزير العلم، واسع المعرفة، باحثاً محقّقاً، مُكثراً في التأليف، عادلاً في أحكامه.
طُبع أخيراً هذا الكتاب بمصر في جزءين: الأوّل سنة 1370ه ، في 466 صفحة، و (الثاني) سنة 1379ه ، في 539 صفحة بتحقيق وتقديم وتعليق آصف فيضي.
[2] ومنها: أمالي الشَّيخ محمّد بن محمّد بن النّعمان بن عبد السّلام بن جابر ابن سعيد بن جبير العُكبري البغدادي، الملقّب بالشيخ المفيد، ويُعرف أيضاً بابن المعلّم لأنّ أباه كان معلّماً بواسط، كما ذكر ذلك ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان (ج‏5 / ص‏368). ولد سنة 338هـ، وتوفّي ببغداد سنة 413ه ، وقبره في رواق الحضرة الكاظميّة مشهورٌ يُزار.
وسبب تلقّبه بالمفيد إمّا لما نصّ عليه ابن شهرآشوب في معالم العلماء: ص 101، طبع النّجف الأشرف سنة 1380ه ، من أنّ صاحب الزّمان‏عليه السلام لقّبه بذلك، وقال: ذكرت سبب ذلك في مناقب آل أبي طالب، وإمّا لما ذكره الشَّيخ ورّام في مجموعته: ص 452، من أنّ شيخه عليّ بن عيسى الرمّاني لقّبه به، وكان السّبب فيه أنّ المفيدرحمه الله حضر مجلسه لأوّل مرّة، فقام رجلٌ من أهل البصرة وسأل الرمّاني عن خبر الغدير والغار، فقال الرمّاني: إنّ حديث الغار دراية وخبر الغدير رواية، والرّواية لا توجب ما توجبه الدّراية، فلم يكن عند البصريّ شي‏ء، وخرج من المجلس.
ولمّا خفَّ المجلس تقدّم المفيد إلى الرمّاني ولم يعرفه قبل هذا وسأله عمّن قاتل الإمام العادل، فقال الرمّاني: إنّه كافر، ثمّ استدرك بأنّه فاسق. قال المفيد: ما تقول في عليّ بن أبي طالب ويوم الجَمل وطلحة والزّبير؟ فقال الرمّاني: إنّهما تابا. قال المفيد: أمّا خبر الجمل فدراية وخبر التّوبة فرواية فأفحم الرمّاني. ولم يأت بشي‏ء غير أنّه قال له: كنتَ حاضراً عند سؤال البصريّ؟ قال: نعم، ثمّ دخل الرمّاني المنزل وجاء برقعةٍ مختومةٍ وقال: أوصلها إلى من اتّصلت به، وهو الشَّيخ أبو عبد اللَّه الحسين بن عليّ البصري المعروف ب «جُعَل» وكان من شيوخ المعتزلة، فلمّا وقف عليها جعل يتبسّم وسأل المفيد عمّا جرى بينهما، فحكى له الحديث، فقال: إنّه كتب إليّ بذلك ولقّبك بالمفيد.
وقد أجمع العلماء من الفريقين على‏ فضل الشَّيخ المفيدرحمه الله وتبرّزه في العلوم العقليّة والنقليّة والحديث والرِّجال والأدب وقوّة العارضة في الظهور على الخصم بأجلى‏ برهان.
قال ابن النديم في الفهرست: ص 252: «شاهدته فرأيته شديد الفطنة ماضي الخاطر، بارعاً في العلوم».
وقال الذّهبي في تاريخ دول الإسلام: ج 1، ص 191: «كانت له جلالةٌ عظيمة وتقدّم في العلم مع خشوعٍ وتعبّدٍ وتألّهٍ».
وقال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان: ج 5، ص 368: «برع في العلوم حتّى كان يقال: له على‏ كلّ إمامٍ مِنّة».
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: ج 2، ص 15: «شيخ الإماميّة والمصنّف لهم والمحامي عن حوزتهم، يحضر مجلسه خلقٌ كثيرٌ من العلماء من سائر الطوائف».
وقال اليافعي في مرآة الجنان: ج 3، ص 28: «كان بارعاً في الكلام والجدل والفقه، يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة والعظمة».
وقال ابن العماد في شذرات الذّهب: ج 3، ص 199: «عالم الشيعة وإمام الرّافضة ولسان الإماميّة، رئيس الكلام والفقه والجدل، صاحب التصانيف الكثيرة».
وقال أبو حيّان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة: ج 1، ص 141: «كان ابن المعلّم حسن اللّسان والجدل، صبوراً على الخصم، ضنين السرّ، جميل العلانية».
وأمّا إطراء علماء الإماميّة في حقّه والثناء عليه بكلّ جميلٍ فكثيرة، راجع المعاجم.
وكتاب الأمالي من الكتب القيّمة، وهو مقصورٌ على‏ ذكر الأحاديث المأثورة عن النبيّ وآله الكرام - عليهم الصّلاة والسّلام - ، وقد رتّبه‏قدس سره على اثنين وأربعين مجلساً، في الفروض والسّنن والأخلاق والحِكم والنّكت الأدبيّة، وقد حذا فيه حذو شيخه الصّدوق ابن بابويه القمّي في أماليه، ولم يزَل هذا الكتاب مصدراً من مصادر الشيعة في قرونها المتعاقبة، وأجيالها المتواصلة، ثقةً بالمملي، وركوناً على الإتقان في نقله وتهذيبه، وقد أكثر في النقل عنه العلّامة المحدّث المجلسي‏رحمه الله في البحار.
طبع أخيراً في النّجف الأشرف بالمطبعة الحيدريّة سنة 1367ه ، في مائتين وإحدى عشرة صفحة .
[3] ومنها: مزار أبي عبد اللَّه محمّد بن جعفر بن عليّ بن جعفر المشهديّ الحائريّ المعروف بمحمّد ابن المشهديّ، من علماء الشيعة في القرن الخامس، وقد اعتمد على هذا المزار علماء الشيعة، واعتمد عليه العلّامة المجلسي‏رحمه الله في مزار البحار، وابنا طاوس السيّد رضيّ الدِّين عليّ في مزاره، والسيّد عبد الكريم في فرحة الغريّ.
وكان الشَّيخ محمّد المشهديّ جليلاً متبحّراً محدّثاً صدوقاً، وله مؤلّفات؛ منها بغية الطالب وإيضاح المناسك، ومنها المصباح، يروي عن جماعة من الأعلام، منهم ابن بطريق الحلّي، والسيّد ابن زُهرة، وشاذان بن جبرئيل القمّي، وهبة اللَّه بن نما، و ورّام ابن أبي فراس، وقد تُرجم لابن المشهديّ في المعاجم الرِّجاليّة.
[4] ومنها: روضة الفردوس، للسيّد عليّ بن شهاب الدِّين الهمداني، المتوفّى سنة 786ه ، رتّب فردوس الأخبار تأليف الحافظ أبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الدّيلمي الهمداني المتوفّى سنة 509 ه ، واستخرج منه ما استحسنه، وقد كتب منه شيخنا الأميني شطراً يناهز 32 صفحة حين زار مكتبة المرحوم العلّامة السيّد ناصر حسين ابن السيّد حامد حسين صاحب العبقات في لكهنو الهند.
[5] ومنها: مناقب الفقيه ابن المغازليّ المتوفّى سنة 483 ه ، وكانت النّسخة في مكتبة المرحوم السيّد ناصر اللكهنويّ أيضاً، وهي نسخةٌ قيّمة مكتوبة في سنة 1037ه في 300 صفحة، نقلاً عن نسخةٍ مكتوبةٍ سنة 991ه ، عن نسخةٍ مؤرّخةٍ سنة 623ه ، عن نسخةٍ خُطّت في سنة 585 ه .
[6] ومنها: مفتاح النّجا في مناقب آل العبا، تأليف العلّامة ميرزا محمّد بن رستم الحارثي البدخشي، صاحب التآليف القيّمة، ألّفه في سنة 1123 ه ، كتابٌ قيّمٌ مفعَمٌ بالغرر والدرر، في 320 صفحة، في مكتبة السيّد ناصر حسين أيضاً.
[7] ومنها: الصّراط السويّ في مناقب آل النبيّ، تأليف السيّد محمود الشيخاني القادري المدني، من أعلام القرن العاشر، في 494 صفحة، مشحونٌ بالفوائد والطَرف والطرائف، كتب منه شيخنا الأميني ما يناهز 400 صفحة وأعانه في كتابة بقيّته بعض الأفاضل من علويّة الشيعة، وهو في مكتبة السيّد ناصر حسين أيضاً .
[8] ومنها: تحفة المحبّين، تأليف العلّامة ميرزا محمّد بن رستم معتمد خان البدخشي صاحب نزل الأبرار المطبوع، ومفتاح النّجا المذكور، جعل كتابه هذا على أربعة أبواب في الخلفاء الرّاشدين على‏ ترتيب خلافتهم، وقد كتب شيخنا الأميني الباب الرابع الذي هو في مولانا أمير المؤمنين‏عليه السلام برمّته في أربعين صفحة، والنّسخة في مكتبة السيّد ناصر حسين المذكور أيضاً، وتوجد نسخة اُخرى عتيقة مؤرّخة بسنة 1186 في مكتبة جامعة علي گره، ونسخة في مكتبة الرِّضا في بلدة رامپور.
[9] ومنها: رسالة اُصول الإيمان، تأليف المولوي محمّد سالم الدّهلوي البخاري، في 55 صفحه، وهذه النّسخة في مكتبة السيّد ناصر حسين أيضاً، وهي وإن كانت مطبوعة في شاهجان آباد سنة 1259ه ، غير أنّ نفاسة النّسخة دَعَت شيخنا الأمينيّ إلى أن ينسخها.
[10] ومنها: كراريس كتبها شيخنا الأميني من كتاب المصنّف للحافظ أبي بكر عبد اللَّه بن محمّد بن أبي شيبة الكوفي، المتوفّى سنة 235ه ، وهو كتابٌ ضخمٌ فخمٌ ملأ غضونه فوائد وطرائف وطُرَف، ينمُّ عن إمامة الرَّجل في الفقه والحديث، والنّسخة في 12 مجلّداً في 5330 صفحة، توجد النّسخة في مكتبة أبو الكلام آزاد العامّة، وقد زارها شيخنا الأمينيّ في سفره إلى الهند، وطالع النّسخة بكاملها، وكتب فوائد مستطرفة منها، والمكتبة المذكورة هي في جامعة علي گره بالهند.
[11] ومنها: نزهة الأبرار في الأسامي ومناقب الأخيار، تأليف العلّامة وجيه الملّة والدِّين أبي الفضائل عمر ابن الإمام نجم الملّة والدِّين عبد المحسن بن أبي كمر ابن عبد الكافي، تقع النّسخة في 374 صفحة، في مكتبة أبو الكلام آزاد العامّة، قرأ الكتاب شيخنا الأميني ونسخ منه ما يناهز ثلاثين صفحة من فوائده الجمّة.
[12] ومنها: الإشارة في السّيرة النبويّة، تأليف علاء الدِّين مغلطاي بن فليج، المتوفّى سنة 762 ه ، وهو مختصر كتاب الزّهر الباسم في سِير أبي القاسم، والنّسخة مؤرّخة بسنة 315 ه، في 120 صفحة، فيها فوائد تاريخيّة هامّة كثيرة، كتبها من مكتبة أبو الكلام آزاد العامّة في خلال ثلاث ساعات، وقابلها مع نسخةٍ اُخرى في مكتبة خدابخش في بتنه.
[13] ومنها: تلخيص الموافقة، للحافظ ابن السمّان الرّازي، المتوفّى‏ سنة 445ه ، تأليف العلّامة جار اللَّه الزّمخشري المتوفّى سنة 538 ه ،20يعني الموافقة للرازي وتلخيصه للزمخشري. في 100 صفحة، كتبه من مكتبة أبو الكلام آزاد العامّة، وكتب شيخنا الأميني في آخر نسخته التي كتبها ما هذا نصّه.

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم‏
قال الأميني: وقفتُ على‏ هذه النّسخة مختصر كتاب الموافقة للحافظ أبي سعد إسماعيل بن عليّ الرّازي، المتوفّى سنة 445ه ، شيخ الخطيب البغدادي في مكتبة علي گره العامّة، وكتبتها خلال أيّام في شهر شوّال سنة 1380ه ، والكتاب مشحونٌ بالأكاذيب وحديث خرافة، مفعمٌ بالمفتعلات والهنابث، بملئه ترّهات، ألّفته يد الباطل لتدحض به الحقّ، وتطمس به الهداية، وتضلّ به الاُميّين، من اُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، كتبناه لتوقّف الملأ العلميّ على أسانيد ما فيه من المختلقات، وقد فصّلنا القول في جملةٍ من تلكم الموضوعات في أجزاء كتابنا الغدير.
[14] ومنها: مناقب الخلفاء، تأليف الحافظ عبد الرّحمن السّيوطي، المتوفّى سنة 911ه ، في 186 صفحة، توجد نسخته المخطوطة في مكتبة الرِّضا العامّة في رامپور الهند، استنسخ شيخنا الأميني منها خصوص ما جاء في مناقب أمير المؤمنين‏عليه السلام .
[15] ومنها: مفتاح الهداية، تأليف فتح اللَّه محمّد بن عيسى، المتوفّى بمكّة المشرّفة، والنّسخة المؤرّخة بربيع الأوّل سنة 1066ه في مكتبة الرّضا العامّة أيضاً، والكتاب هو في تخريج أحاديث السّبعين للسيّد عليّ بن شهاب الدِّين الحسيني الهمداني صاحب مودّة القُربى‏، وروضة الفردوس، المتوفّى سنة 786ه .
[16] ومنها: استجلاب ارتقاء الغرف بحبّ أقرباء الرسول ذوي الشّرف، تأليف الحافظ الحجّة شمس الدِّين أبي الخير محمّد بن عبد الرّحمن بن محمّد بن أبي بكر السّخاوي الشّافعي نزيل الحرمين، المولود سنة 831 ه ، والمتوفّى سنة 902ه ، في 84 صفحة كلّ صفحة 29 سطراً، وهو كتابٌ قيّم نفيس كثير الفوائد، توجد نسخته المخطوطة في المكتبة الآصفيّة العامّة في حيدر آباد بالهند، كتب جلّه شيخنا الأميني.
[17] ومنها: الطّرف من الأنباء والمناقب في شرف سيّد الأنبياء والأطايب، تأليف رضيّ الدِّين أبي القاسم عليّ بن موسى بن طاوس الحسيني الحلّي، المتوفّى سنة 664 ه .
[18] ومنها: اليقين في إمرة أمير المؤمنين‏عليه السلام، تأليف رضيّ الدِّين عليّ بن موسى بن طاوس أيضاً .
[19] ومنها: خصائص الأئمّةعليهم السلام، تأليف السيّد الشريف الرضيّ أبي الحسن محمّد بن أبي أحمد الحسين بن موسى الموسويّ البغداديّ، المتوفّى سنة 406ه .
[20] ومنها: إيضاح دفائن النّواصب، تأليف الشّيخ أبي الحسن محمّد بن أحمد ابن عليّ بن الحسن بن شاذان الفقيه القمّي، أُستاذ أبي العبّاس النجاشي صاحب فهرست الرِّجال، واُستاذ الكراجكي صاحب كنز الفوائد.
[21] ومنها: كتاب سليم بن قيس الهلالي، صاحب الإمام أمير المؤمنين‏عليه السلام .
[22] ومنها: المسائل الأربعون الكلاميّة، تأليف الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي المتوفّى سنة 786 ه .
[23] ومنها: الإجازة الكبيرة لعلماء الحويزة، للمجيز السيّد عبد اللَّه ابن السيّد نور الدِّين ابن السيّد نعمة اللَّه الجزائري، المتوفّى سنة 1173ه .
هذا ما اطّلعنا عليه من آثاره - طاب ثراه - ولعلّ له آثاراً اُخرى لم نهتدِ إليها.

مكتبة الإمام أمير المؤمنين‏ عليه السلام‏

نظرة في الكتب والمكتبات‏
الكتب هي النتاج الواضح لإعمال الفكر، واستخدام البنان، وأدوات الكتابة ومقوّماتها، وفيها تتجلّى مواهب الإنسانيّة، وتبدو آثار الحضارات، ومظاهر الثقافات، وألوان المعارف، والعلوم والآداب والفنون، ولذلك فإنّ الاُدباء تناولوها بالوصف وبيان مزاياها في أقوالهم نثراً وشعراً، ومن ذلك قول الجاحظ: «الكتاب وعاءً مُلئ علماً، وظَرفٌ حُشي ظرفاً، وبستانٌ يُحمل في رِدنٍ، وروضةٌ تتقلّب في حِجر ينطق عن الموتى‏، ويترجم كلام الأحياء» و قوله:
من صنّف كتاباً فقد استهدف، فإن أحسن فقد استعطف، وإن أساء فقد استقذف»، (وقوله): «لا أعلم جاراً أبرّ، ولا خليطاً أنصف، ولا رفيقاً أطوع، ولا معلّماً أخضع، ولا صاحباً أظهر كفايةً وأقلّ جنايةً، ولا أقلّ إملالاً وإبراماً، ولا أقلّ خلافاً وإجراماً، ولا أقلّ غيبةً ولا أبعد عن عضيهةٍ (أي إفكٍ وبُهتانٍ) ولا أكثر اُعجوبةً وتصرّفاً، ولا أقلّ صلَفاً وتكلّفاً، ولا أبعد من مراءٍ، ولا أترك لشغبٍ، ولا أزهد في جدالٍ، ولا أكفّ عن قتالٍ من كتاب.
ولا أعلم قريناً أحسن مؤاتاةً، ولا أعجل مكافأةً، ولا أحضر معونةً، ولا أقلّ مؤونةً، ولا شجرةً أطول عمراً، ولا أجمع أمراً، ولا أطيب ثمرةً، ولا أقرب مجتنى،،، ولا أسرع إدراكاً في كلّ أوان، ولا أوجد في غير إبّان من كتاب.
ولا أعلم نتاجاً في حداثة سنّه، وقرب ميلاده، ورخص ثمنه، وإمكان وجوده، يجمع من التدابير الحسنة، والعلوم الغريبة، ومن آثار العقول الصحيحة، ومحمود الأخبار من القرون الماضية، والبلاد المتآخمة، والأمثال السائرة، والاُمم البائدة ما يجمع الكتاب.
ودخل الرشيد على‏ ولده المأمون وهو ينظر في كتاب، فقال له: ما هذا؟ فقال: كتابٌ يشحذ الفكرة، ويحسن العشرة، فقال الرشيد: الحمد للَّه الذي رزقني من يرى بعين قلبه أكثر ممّا يرى بعين جسمه.
وقيل لبعض العلماء: ما بلغ من سرورك بكتبك؟ فقال:
هي إن خلوت لذّتي، وإن اهتممت سلوتي، وإن قيل: زَهر البستان، ونور الجنان يجلوان الأبصار ويمتّعان بحسنهما الألحاظ والأنظار، فإنّي أقول: إنّ الكتب رياضٌ، وكلّ كتابٍ بستانٌ يجلو العقل، ويشحذ الذّهن، ويُحيي القلب، ويقوّي القريحة، ويُعين الطبيعة، ويبعث نتائج العقول، ويستثير دفائن القلوب، ويمتّع في الخلوة، ويؤنس في الوحشة، ويُضحك بنوادره، ويُسرّ بغرائبه، ويُفيد ولا يستفيد، ويعطي ولا يأخذ وتصل لذّته إلى القلب، من غير سآمةٍ تدرك قارئه، ولا مشقّةٍ تعرض له.
وقال بزرجمهر: «الكتب أصداف الحِكم تنشقّ عن جواهر الكلم».
وقال ابن المعتزّ: «الكتاب والج الأبواب، جري‏ءٌ على الحجّاب، مفهِم لا يفهم،، وناطقٌ لا يتكلّم، به يشخص المشتاق، إذا أقعده الفراق».
وقال عبد اللَّه بن العزيز: «لم أرَ أوعظ من الكتاب، وأسلم من الانفراد».
ونظر المأمون إلى بعض أولاده - وفي يده كتاب - فسأله ما هذا؟ فأجاب قائلاً: كتابٌ يُذكي الفطنة، ويشحذ الفكرة، ويُؤنس الوحشة، ويسلّي الغمّة، فقال المأمون: الحمد للَّه الذي جعل في أولادي من يُنظر إليه بأدبه، أكثر ممّا يُنظر إليه بحسَبه.
وممّا قيل في وصف الكتب ونفعها قول ابن المقفّع: «كلّ مصحوبٍ ذو هفوات إلّا الكتاب فإنّه مأمونٌ من العثرات».
وقال أبو محمّد الخازن:
فدفتري روضتي ومحبرتي‏
غدير علمي وصارمي قلمي‏
وراحتي في قرار صومعتي‏
تعلمني كيف موقع القسم‏
وقال السريّ الرّفاء:
اجعل جليسك دفتراً في نشره‏
للميّت من حِكم العلوم نشورُ
ومفيد آدابٍ ومؤنس وحشةٍ
فإذا انفردت فصاحبٌ وسميرُ
وقوله في وصف كتبه:
عندي إذا ما الرّوض أصبح ذابلاً
تحفٌ أغضّ من الرِّياض شمائلا
خرسٌ تحدّث آخراً عن أوّلٍ‏
بعجائبٍ سلفت ولسن أوائلا
سُقيت بأطراف اليراع ظهورها
وبطونها طلّاً أحمّ و وابلا
تلقاك في حمر الثّياب وسودها
فتخالهنّ عرائساً وثواكلا
وتريك ما قد فات من دهرٍ مضى‏
حتّى‏ تراه بعين فكرك ماثِلا
وإذا خلوت بهنّ ظمآن الحشا
منحتكَ من صوب العقول مناهِلا
وقال محمّد بن بشر في ذمّ من يجمع الكتب ولا يطّلع عليها، ويقرؤها ولا يحفظها:
أما لو أعي كلّ ما أسمعُ‏
وأحفظ من ذاك ما أجمعُ‏
ولم أستفد غير ما قد جمعت‏
لقيل هو العالم المصقع‏
ولكنّ نفسي إلى كلّ شي‏ءٍ
من العلم تسمعه تنزَع‏
فلا أحفظ ما قد جمعت‏
ولا أنا من جمعه أشبع‏
ومن يكُ من دهره هكذا
يكُن دهرهُ القهقرى يرجع‏
وقال أحمد شوقي بك أمير الشّعراء:
أنا من بدّل بالكتب الصّحابا
لم أجد لي وافياً إلّا الكتابا
صاحبٌ إن عِبته ولم تعب‏
ليس بالواجِد للصّاحب عابا
كلّما أخلقته جدّدني‏
وكساني من حُلى الفضل ثيابا
صحبةٌ لم أشكُ منها ريبةً
و ودادٌ لم يكلّفني عتابا
رُبَّ ليلٍ لم تقصّر فيه عن‏
سمرٍ طال على الصّمت وطابا
كان من همّ نهاري راحتي‏
إن يجدني يتحدّث أو يجد
مللاً يطوي الأحاديث اقتضابا
تجد الكتب على النقد كما
تجد الإخوان صدقاً وكِذابا
فتخيّرها كما تختاره‏
وادّخر في الصّحب والكتب اللّبابا
صالحُ الإخوان يبغيك التّقى‏
ورشيدُ الكتب يبغيك الصّوابا
وقال أبو الطيّب المتنبّي متحدّثاً عن متع الحياة، ومبيّناً أنّ أحسنها لديه، وأفضلها عنده، اتّخاذه من سروج السّابحات العاديات مكاناً لعزّه، ومن الكتب وما حوتْهُ صحائفها وبطونها خير جلّاسٍ تؤمَن بوائقها، ولا تخاف غدرتها وعثرتها:
وللخود منّي ساعةٌ ثمّ بيننا
فلاةٌ إلى غير اللّقاء تجابُ22الخود: الحسناء، تجاب: تقطع.
وما العشق إلّا غرّةٌ وطماعةٌ
يُعرّض قلبٌ نفسه فيُصابُ‏
وغير فؤادي للغواني رميّةٌ
تركنا لأطراف القنا كلّ لذّةٍ
فليس لنا إلّا بهنّ لعاب24اللّعاب: الملاعبة.
ونصرفه للطّعن فوق سوابحٍ‏
أعزّ مكانٍ في الدّنا سرج سابحٍ‏
وخير جليسٍ في الزمان كتابُ‏
وقد جاء عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «قيّدوا العلم بالكتاب». وعن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب‏عليه السلام أنّه قال: «الكتب بساتين العلماء»، وقال‏عليه السلام: «من تسلّى بالكتاب لم تفته السّلوة».
وروى‏ ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني‏رحمه الله في اُصول الكافي باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بالكتب، من كتاب فضل العلم، بسنده عن الأحمسيّ عن أبي عبد اللَّه الصادق‏عليه السلام، أنّه قال: «القلب يتّكل على الكتابة».
وعن أبي بصير قال: سمعتُ أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «أكتبوا فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا».
وعن عُبيد بن زرارة، قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «احتفظوا بكتبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها».
وعن المفضّل بن عمر قال: قال لي أبو عبد اللَّه عليه السلام: «اكتب وبثّ علمك في إخوانك، فإن مُتّ فأورث كتبك بنيك فإنّه يأتي على النّاس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم».
وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه تقييد العلم طبع دمشق سنة 1949م رواياتٍ في تقييد العلم بالكتاب مرويّة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فراجعها، كما ذكر في الفصل الرابع من القسم الثالث رواياتٍ عديدة في أنّ الكتاب يحفظ العلم، وفي الفصل الأوّل من القسم الرابع رواياتٍ في فضل الكتب وبيان منافعها، وفي الفصل الثالث منه الإكثار من الكتب، وفي الفصل الرابع منه مطالعة الكتب ودرسها، وفي هذا الكتاب مواضيع مفيدة في شأن الكتاب، فراجعها.

[مرور ببعض المكتبات‏]

اعتنى العرب كثيراً بجمع الكتب، وبنوا لها الخزائن العظيمة، واستجلبوا لها الكتب القيّمة.
[1] وهذا المأمون العبّاسي المتوفّى سنة 218ه ، يستجلب إلى بغداد مقدار مائة حملٍ من الكتب، وكان من جملة شروط معاهدةٍ له مع الأمبراطور ميخائيل الثالث أن يتخلّى له عن إحدى مكتبات القسطنطينيّة. وكانت وجدت في بعض الخزائن رسالة بطليموس في الرياضيّات السماويّة، فأمر المأمون بنقلها إلى العربيّة باسم المجسطي، وما زال المأمون يُعنى بأمر المكاتب حتّى كانت بعض خزائنه تشتمل على أزيد من مائة ألف مجلّدٍ جيّدة النسخ والتجليد، وكان منها ستّة آلاف وخمسمائة مجلّدٍ في فنّي الطبّ والفلك لا غير، وكان قانون هذه الخزانة لا يمنع إعارة الكتب للدارسين.
وكان قد أنفذ بعثةً إلى بلاد الرّوم، منها الحجّاج بن مطر، وابن البطريق، فحملوا من ملِكها كثيراً من الكتب وأودعوها خزانة دار الحكمة وتولّى‏ ترجمتها رجالٌ مشهورون.
[2] ودار العلم بالموصل أنشأها أبو القاسم جعفر بن محمّد بن حمدان الموصليّ الشافعي المتوفّى سنة 323ه ، قال ياقوت الحموي في معجم الأدباء:
كانت له ببلده دار علم قد جعل فيها خزانة كتب من جميع العلوم وقفاً على كلّ طالبٍ لعلم، لا يُمنع أحدٌ من دخولها إذا جاءها غريبٌ يطلب الأدب، وإن كان معسراً أعطاه وَرِقاً و وَرَقاً، تُفتح في كلّ يوم ويجلس فيها إذا عاد من ركوبه».
[3] وكان لعليّ بن يحيى المنجّم المتوفّى سنة 275 ه ، في إحدى نواحي القفص من قرى بغداد خزانة كتب عظيمة يسمّيها «خزانة الحكمة» يقصدها النّاس من كلّ بلدٍ فيقيمون فيها ويتعلّمون منها صنوف العلم، والكتب مبذولة في ذلك لهم، والصّيانة مشتملةٌ عليهم، والنّفقة في ذلك من مال عليّ بن يحيى‏.
[4] ودار العلم ببغداد أسّسها بمحلّة الكرخ سنة 381ه ، الوزير البويهيّ أبو نصر سابور بن أردشير المتوفّى سنة 416 ه ، وقد اشتملت على‏ 10400 كتاب من مختلف العلوم منها مائة مصحف بخطّ ابن مقلة، وردّ النّظر في أمرها ومراعاتها والاحتياطات عليها إلى رجلين من العلويّين، يعاونهما أحد القضاة، كما ذكره ابن الجوزي في المنتظم: ج 7، ص 172، وقد أُحرقت هذه الدار سنة 450ه ، كما ذكره ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 450ه ، ومن أشهر من زارها أبو العلاء المعرّي أيّام مكثه في بغداد، وإليها يشير بقوله:
وغنّت لنا في دار سابور قينةٌ
من الورق مطراب الأصائل ميهالُ‏
رأت زَهراً غضّاً فهاجت بمزهرٍ
مثانيه أحشاءٌ لطفقٍ وأوصالُ‏
وممّن كان يرعاها الشريف المرتضى علم الهدى رحمه الله، ويظهر من رسالته الغفران: أنّ إحدى النساء كانت تخرج الكتب إلى النسّاخ.
وقد احترقت هذه الخزانة في فاتحة استيلاء السلاجقة على بغداد، ولمّا أُنشئت النّظاميّة اُنشئت فيها خزانةٌ عظيمة احتوت على كتبٍ كثيرة، ثمّ كلّما اُنشئت مدرسةٌ ضمّت إليها خزانة، وأعظم كارثةٍ أُصيبت بها خزائن الكتب في بغداد هي كارثة المغول عندما استولوا عليها سنة 656ه ، بأمر رئيسهم هلاكو فحرقوا كلّ ما جمعه محبّو العلم وألقوها إلى‏ نهر دجلة فتألّف منها جسرٌ يمكن النّاس أن يمرّوا عليها رجالاً أو ركباناً، وأصبح ماؤه أسود من مدادها، حسبما رواه قطب الدِّين الحنفي، وجاء بحضارة العرب.
[5] وكان لعضد الدّولة البويهي مكتبةٌ في داره وصفها المقدسي بأنّها حجرةٌ على‏ حدةٍ، عليها وكيلٌ وخازنٌ ومشرفٌ من عدول البلد، ولم يبق كتابٌ صنّف إلى وقت عضد الدولة من أنواع العلوم إلّا وحصّله فيها، وهي أزجٌ طويلٌ في صفةٍ كبيرةٍ فيه خزائن من كلّ وجه، وقد أُلصق إلى جميع حيطان الأزج والخزائن بيوتاً طولها قامة في عرض ثلاثة أذرع من الخشب المزوّق، عليها أبواب تنحدر من فوق، والدفاتر منضّدة على الرفوف لكلّ نوعٍ بيوتٌ وفهرستاتٌ فيها أسامي الكتب، ولا يدخلها إلّا كلّ وجيه.
[6] وهذا الصاحب بن عبّاد - وزير مؤيّد الدولة وأخيه فخر الدولة - يكتب إليه الملك نوح بن منصور الساماني يعرض عليه الوزارة في مملكته فيُجيبه معتذراً، وكان من جملة أعذاره استلزام نقل كتبه لأربعمائة جَمَل.
]7[ وكان القاضي أبو مطرف المغيرة بن مطرف المتوفّى سنة 302ه ، قاضي الجماعة بقرطبة، وقد جمع من الكتب في أنواع العلم ما لم يجمعه أحدٌ من أهل عصره بالأندلس، وكان له ستّة ورّاقين ينسخون له دائماً، وكان متى علم بكتابٍ حسن عند أحدٍ من النّاس طلبه ليشتريه منه مبالغاً في ثمنه، وكان لا يعير كتاباً من اُصوله البتّة، وإذا سأله أحدٌ ذلك وألحف عليه أعطاه للنّاسخ فنسخه وقابله ودفعه إلى المستعير.
ويُحكى أنّ أهل قرطبة اجتمع لبيع كتبه عاماً كاملاً في مسجده، واجتمع من ثمنها أربعون ألف دينار، كما يحدّثنا ابن بشكوال في كتاب الصّلة في تاريخ علماء الأندلس طبع مجريط سنة 1882م (ج 1 / ص 304 - 305).
[8] وكان في مكتبة العزيز الفاطمي المتوفّى سنة 386ه - كما يقول المقريزيّ مليون وأربعمائة ألف مجلّد، ويروي أنّه كان بها 120 نسخة من تاريخ الطبري.
[9] ويروي ياقوت الحموي في معجم البلدان بمادّة «مرو الرّوذ» أنّ مدينة مرو كان فيها 12 مكتبة بإحداها نحو 12 ألف مجلّد، وكان ياقوت يستعير منها بغير رهن.
[10] وقد عمل القاضي أبو حيّان المتوفّى سنة 343ه في مدينة نيسابور داراً للعلم وخزانة كتب ومساكن للغرباء الذين يطلبون العلم وأجرى لهم الأرزاق، ولم تكن الكتب تُعار خارج الخزانة.
[11] وقد أنشأ أبو عليّ بن سوار الكاتب - أحد رجال حاشية عضد الدولة المتوفّى سنة 372ه - دار كتب في مدينة دار هرمز على‏ شاطئ بحر فارس، كما بنى داراً اُخرى بالبصرة، وجعل فيهما إجراءً على من قصدهما ولزم القراءة والنّسخ فيهما.
[12] وقد اتّخذ الشريف الرضيّ‏رحمه الله المتوفّى سنة 406 ه نقيب العلويّين والشاعر المشهور - داراً في بغداد، سمّاها «دار العلم» وفتحها لطلبة العلم، وعيّن لهم جميع ما يحتاجون إليه، وكانت الدّار قديماً تسمّى «خزانة الحكمة» وهي خزانة كتب لا غير، أمّا المؤسّسات الجديدة فتسمّى دور العلم، وخزانة الكتب جزءٌ منها.
[13] وجاء الخليفة الحاكم بأمر اللَّه في القاهرة ففتح في سنة 395ه ، الدّار الملقّبة بدار العلم، وتسمّى دار الحكمة أيضاً، وحمل الكتب إليها من خزائن القصور المعمورة، ودخل سائر النّاس إليها يقرؤون وينسخون، واُقيم لهم خزّان وبوّابون، ورُتّب فيها قومٌ يدرّسون النّاس العلوم، ولكنّ الحاكم أبطل ذلك بعد قليلٍ من الزّمان.
[14] وقال ابن الفوطي في الحوادث الجامعة: ص 209):
في سنة 644ه فتحت دار الكتب التي أنشأها الوزير مؤيّد الدِّين العلقمي26قال ابن الفوطي (ص‏236): «في هذه السنة (أي سنة 656ه) توفّي الوزير مؤيّد الدِّين محمّد ابن العلقمي في جمادى الآخرة ببغداد، وعمره ثلاثٌ وستّون سنة، كان عالماً فاضلاً أديباً، يحبّ العلماء ويسدي إليهم المعروف، وتوفّي علم الدِّين أحمد أخوه بعده، ومجد الدِّين محمّد بن طاووس العلويّ، والقاضي موفّق الدِّين أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني في جمادى الآخرة فرثاه أخوه عزّ الدِّين عبد الحميد، فعاش عزّ الدِّين بعده أربعة عشر يوماً. إلى الخليفة (يعني المستعصم باللَّه) - في داره ونُقل إليها كتبٌ من أنواع العلوم، فأنشد العدل موفّق الدِّين القاسم بن أبي الحديد:
رأيتُ الخزانة قد زيّنت‏
بكتبٍ لها المنظر الهائلُ‏
عقول الشيوخ بها ألّفت‏
ومحصوله ذاك والحاصل‏
ولمّا مثلت بها قائماً
وأعجبني الفضل والفاضل‏
تمثّلت أسماءها منكمُ‏
على النّقل ما كذب النّاقل‏
بها مجمع البحر لكنّه‏
من الجود ليس له ساحلُ‏
ومنها المهذّب من فضلكم‏
ومغنٍ ولكنّه نائل‏
ومنها الوسيط بما نرتجيه‏
وفيها النهاية و الكاملُ‏
وقد اشتملت هذه المكتبة على‏ عشرة آلاف مجلّدٍ من نفائس الكتب كما يقول الفخري في تاريخه: ص 248.
[15] ولم تَزل بعد ذلك خزائن الكتب موضع الرّعاية من رجال الحكومات المتعاقبة إلى أن فشا الطّاعون في بغداد على‏ عهد الوالي داود باشا المتوفّى سنة 1267ه ، ورافقه طغيان دجلة وحريقٌ هائلٌ أودى كلّ ذلك بكثيرٍ من خزائن الكتب.
ولمّا اشتدّت المجاعة في القرن الثالث عشر الهجريّ أخذ النّاس يبيعون الكتب القيّمة بأبخس الأثمان، وأقبل جماعة من تجّار الفرنج وعملاؤهم على‏ شرائها.
[16] حكى ابن خلّكان في ترجمة الشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسويّ‏رحمه الله، عن أبي زكريّا الخطيب التبريزيّ: أنّ أبا الحسن عليّ بن أحمد بن مسلك الفالي الأديب كانت له نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة، فدعتهُ الحاجة إلى بيعها، فاشتراها الشريف المرتضى‏رحمه الله بستّين ديناراً وتصفّحها فوجد بها أبياتاً بخطّ بايعها أبي الحسن الفالي المذكور، وهي:
أنستُ بها عشرين حولاً وبعتها
لقد طال وجدي بعدها وحنيني‏
وما كان ظنّي أنّني سأبيعها
ولو خلّدتني في السّجون ديوني‏
ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ
صغارٍ عليهم تستهلّ شؤوني‏
فقلت ولم أملك سوابق عبرةٍ
مقالة مكويّ الفؤاد حزينِ‏
«وقد تخرج الحاجات يا اُمّ مالكٍ‏
كرائم من ربٍّ بهنّ ضنينُ»
فأرجع النّسخة إليه وترك الدّنانير. راجع المنتظم لابن الجوزيّ: ج 8، ص 172، فإنّه ذكر الأبيات في ترجمة أبي الحسن الفالي المتوفّى سنة 448ه ، ولكنّه لم يذكر قصّة ردّ الكتاب، وكذا راجع معجم الاُدباء لياقوت الحموي: ج 5، ص 83، من طبعة مصر سنة 1928م الثانية، فإنّه قال:
... حدّث أبو زكريّا التبريزي قال: رأيت نسخةً من كتاب الجمهرة لابن دريد باعها أبو الحسن الفالي بخمسة دنانير من القاضي أبي بكر بن بديل التبريزي، وحملها إلى تبريز فنسختُ أنا منها نسخةً فوجدتُ في بعض المجلّدات رقعةً بخطّ الفالي فيها (ثمّ أورد الأبيات المذكورة)، فأريتُ القاضي أبا بكر الرّقعة والأبيات فتوجّع وقال: لو رأيتها قبل هذا لرددتها عليه، وكان الفالي قد مات.
ثمّ قال الحموي:
والبيت الأخير من هذه الأبيات تضمينٌ قاله أعرابيّ فيما ذكره الزّبير بن بكار عن يوسف بن عيّاش، قال: ابتاع حمزة بن عبد اللَّه بن الزّبير جملاً من أعرابيّ بخمسين ديناراً، ثمّ نقده بثمنه، فجعل الأعرابي ينظر إلى الجمل ويقول:
«وقد يخرج الحاجات يا اُمّ مالكٍ‏
كرائم من ربٍّ بهنّ ضنينُ»
فقال له حمزة: خُذ جملك والدنانير لك، فانصرف بجمله والدّنانير.
ذكر ذلك الحمويّ في ترجمة عليّ بن أحمد الفالي، فراجعه.
وكانت دور الكتب قديماً في المساجد والمشاهد، فقد حوَت المساجد حلقات التدريس المختلفة، وكان لابدّ للأساتذة والطلّاب من مكتبات في هذه المساجد يرجعون إليها، ولذلك تنافس هواة العلم في تزويد هذه المساجد بالكتب ووقفها عليها.
[17] ومن ذلك خزانة كتب في مدرسة أبي حنيفة التي بناها شرف الملك أبو سعيد محمّد بن منصور العميد الخوارزمي مستوفي المملكة للسلطان ألب أرسلان السلجوقي. وقد فتحت سنة 459، وكانت خزانة هذه المدرسة تحوي كتباً كثيرة، منها مؤلّفات الجاحظ.
[18] ومن دور الكتب في المساجد خزانة بمسجد الزيديّ، وقفها الشريف الزيدي المتوفّى سنة 575ه ، في مسجده المعروف باسمه، وقد وقف الزيديّ كتبه على المسلمين كافّة، كما شاركه في ذلك آخرون وقفوا كتبهم في هذا المسجد. منهم أبو الخير الحبشي، وأبو الخطّاب العليمي الدّمشقي، وقد وقف ياقوت الحموي كتبه أيضاً في هذا المسجد .
[19] وفي سنة 626 ه ، جعل المستنصر في مسجد قمرية خزانةً للكتب وحمل إليها كتباً كثيرة.
وكانت دور الكتب أيضاً في المدارس والجامعات، ويظهر أنّ كلّ مدرسةٍ من المدارس الكبيرة تحوي مكتبةً تناسبها.
[20] والمدرسة النّظاميّة كانت تشتمل على مكتبةٍ عامرةٍ بمختلف المؤلّفات، وقد نقل إليها الخليفة الناصر المتوفّى سنة 589ه ، كتباً كثيرةً، وممّن عنوا بالخزن فيها والإشراف عليها القاضي أبو يوسف الأسفراييني، والأبيوردي الشاعر، وقد وقف كلٌّ من ابن السّاعي وابن النجّار كتبه على النظاميّة.
[21] ولعلّ أعظم المكتبات في العصور العبّاسيّة الأخيرة مكتبة المدرسة المستنصريّة، فإنّ المستنصر وقف فيها كتباً نفيسة. يقول ابن كثير المؤرِّخ المشهور: ليس في الدُّنيا لها نظير، ويُروى أنّ عدد الكتب التي أودعها المستنصر بلغ 80 ألفاً، ويظهر أنّ كثيراً من كتب المستنصريّة نُقل من بغداد إلى مراغة على عهد المغول، وفي أوائل القرن التاسع الهجري لم يبق منها شي‏ء، وكان المستنصر والمعتصم من أكثر النّاس عنايةً بهذه المكتبة، ومن أشهر خزّانها ابن السّاعي وابن الفوطي المؤرّخان العراقيّان الشّهيران.
وقد اتّخذت الرّبط أماكن للتدريس، وكانت تجعل فيها خزائن للكتب.
[22] وقد وقف الناصر في رباط الحريم الظاهري كتباً كثيرة برباط المأمون ببغداد وغيرهما من الرّبط.
وكان للخلفاء والعلماء والاُدباء مكتباتٌ خاصّةٌ في قصورهم ودورهم.
[23] ومن هؤلاء الحكم بن الناصر بالأندلس، فقد كان فهرس مكتبته يتألّف من 44 كرّاسة في كلّ كرّاسة عشرون ورقة، ولم يكن فيها غير أسماء الكتب.
[24] ومنهم أيضاً الناصر لدين اللَّه العبّاسي والمستنصر.
قال ابن السّاعي عن المستنصر:
ومن محبّته للعلوم أنّه أنشأ خزانةً للكتب بشريف حضرته، ومقدس سيرته جمع فيها من أنواع العلوم على اختلافها وتباينها وائتلافها الاُصول المضبوطة والخطوط المنسوبة ما جاوز حدّ الكثرة.
ويُروى أنّ المستعصم عُني بالعلوم والآداب كأبيه، فكانت خزانة الكتب التي لخاصّته تتكوّن من خزانتين للكتب متقابلتين أنشأهما في بستان وسلّمهما إلى شيخه العدل شمس الدِّين عليّ بن النيّار
[25] وكانت مكتبة الجاحظ من المكتبات الشهيرة في القرن الثالث ويرد ذكر قماطر كتبه كثيراً، وهي التي سقطت فوقه فمات تحتها، وخلّف كثيرٌ من الرِّجال مكتباتٍ عامرة بشتّى الكتب.
[26] ذكر الاُستاذ كوركيس عوّاد «خزائن كتب الوزراء في العصر العبّاسي» ونشره في مجلّة الاعتدال النجفيّة بعددها الثاني من السنة السادسة، ص 124، وعدَّ منها خزائن محمّد بن عبد الملك الزيّات بسامراء، وخزانة الفتح بن خاقان، وخزانة الوزير عون الدِّين أبي المظفّر يحيى بن محمّد بن هبيرة، وخزانة مؤيّد الدِّين أبي طالب محمّد بن أحمد ابن العلقمي.
وله أيضاً بحثٌ خاصٌّ في تقدّم المكتبات في العراق نشرته مجلّة العرفان الصيداويّة بعددها (5 - 6) من المجلّد (42) في سنة 1374ه (ص‏577)، وفي مجموعتنا الخامسة الموسومة بالرّوضة الزاهرة (ص‏110) المخطوطة، بحثٌ خاصٌّ تحت عنوان عشّاق الكتب.

وقد أسّست مكتبات كثيرة في البلاد العربيّة، منها في بغداد والبصرة والكاظميّة وكربلاء وسامراء والموصل والنّجف الأشرف وغيرها من البلاد العراقيّة، منها عامّة ومنها خاصّة.

بعض مكتبات النجف‏]

1. ومن المكتبات العامّة المكتبة الغرويّة الضخمة التي اُسّست في الصحن الشريف العلويّ منذ القرون الاُولى للهجرة، وكان فيها آلافٌ من الكتب المخطوطة الأثريّة التي يرجع تاريخها إلى عهد الإمام أمير المؤمنين‏عليه السلام.
يقول النسّابة الشهير جمال الدِّين أحمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن مهنّا بن عتبة الأصغر الداودي الحسني المتوفّى سنة 828 ه في كتابه عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: ص 5، طبع النّجف الأشرف، سنة 1358ه، نقلاً عن أبي عليّ محمّد بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن جعفر الأعرج بن عبد اللَّه بن جعفر - قتيل الحُرّة - ابن أبي القاسم محمّد بن عليّ بن أبي طالب النسّابة - صاحب المبسوط في علم النَسَب - أنّه زعم أنّه رأى بالمشهد الشريف الغرويّ مصحفاً في ثلاث مجلّدات بخطّ أمير المؤمنين‏عليه السلام، إحترق حين احترق المشهد سنة 755 ه ، يُقال: إنّه كان في آخره «وكتب عليّ بن أبو طالب».
وكان يقصد هذه المكتبة روّاد العلم من سائر البلدان العربيّة وغيرها للنسخ منها وللاطّلاع عليها والاستفادة منها، وقد رأيتُ جملةً من الكتب استُنسخت من كتبها، وقد زارها المغفور له شيخنا العلّامة الحجّة صاحب الذريعة الشّيخ آغا بزرك الطهراني الغرويّ واستفاد منها، وجعل لها قائمةً بأسماء الكتب التي شاهدها، ونشرها في كتابه الأنوار السّاطعة في المائة السابعة الذي لا يزال مخطوطاً، ووصف كتب المكتبة وصفاً كاملاً وذكر تواريخ نسخها، وتحتوي القائمة على 82 كتاباً، ونشر هذه القائمة عن خطّه صديقنا البحّاثة الدكتور حسين علي محفوظ الكاظميّ حفظه اللَّه في مجلّة معهد المخطوطات العربيّة التي تصدر في مصر في جزئها الأوّل من المجلّد الخامس، ص 23.
كما أنّ شيخنا المغفور له الشّيخ محمّد السماوي‏رحمه الله استنسخ جملةً من مخطوطاتها، ولكن ممّا يؤسف له أنّ هذه المكتبة أصبحت في خبر كان أو عُدمت الاستفادة منها، فلم يبق منها سوى عددٍ لا يتجاوز مائة كتاب، وذلك لأسبابٍ نضرب عنها صفحاً.
وقد وصف هذه المكتبة صديقنا المغفور له الشّيخ جعفر آل محبوبة النّجفي المتوفّى سنة 1377ه في كتابه ماضي النّجف وحاضرها: ج 1، ص 148، من الطبعة الثانية، سنة 1378ه ، تحت عنوان المكتبة الحيدريّة فقال:
كان من القديم مخزنٌ لكتب الحضرة العلويّة، وفيه من الكتب الثّمينة النادرة الوجود ما لم يوجد في غيره، وأغلبها بخطّ مصنّفيها أو عليها خطوطهم، بخطٍّ جيّد مُتقن، على‏ ورقٍ ثمين، مخطوطةٌ في العصور القديمة، ولم يوجد فيها ما هو مخطوطٌ في القرن العاشر، بل كلّها ما قبله، فهي من النفائس التي لا يوجد لها نظير، وفيه مصاحف ثمينة لأشهر الخطّاطين محلّاةٌ بالذّهب، وهي من هدايا سلاطين الشيعة ووزرائهم في مختلف العصور، مختلفة الخطّ، ففيها الكوفيّ والأندلسي واليماني، وبينها قطعةٌ من مصحف بقطع سفينة مكتوبٌ على‏ رقٍّ بخطٍّ كوفيّ، وفي آخره: «تمّ سنة أربعين من الهجرة كتبه عليّ بن أبي طالب»، وبحسب بعض الأعلام الخبيرين أنّه خطّ الأمير عليه السلام.
وأكثر ما في هذا المخزن اليوم مصاحف، ففيه ما يقرب من أربعمائة مصحف، وفيها خطّ أربعمائة من الهجرة. وبالجملة: فهي من الأعلاق التي لا تقدّر بثمن.
يوجد فيه اليوم بعض الكتب النفيسة في سائر الفنون، والذي وقفتُ عليه:
1 - المسائل الشيرازيّة: تأليف الشّيخ أبي علي الحسن بن عبد الغفّار الفارسيّ النحويّ، نُقلت على نسخة المؤلّف، وعليها إجازة بخطّ المصنّف، صورتها: «قرأ عليَّ أبو غالب أحمد بن سابور هذا الكتاب، وكتب الحسن بن أحمد الفارسيّ سنة 363ه» وهي من كتب السيّد جلال الدِّين عبد اللَّه بن شرف شاه الحسيني وقفها سنة 810 ه .
2 - شرح المقصورة الدريديّة: لأبي عبد اللَّه الحسين بن خالويه، قُرئ ع ليه وعليه إجازة بخطّه، قرأه عليه أبو الحسن السّلامي، وعليه صورة قراءته، نصّها: «بلغت قراءةً على‏ أبي عبد اللَّه محمّد بن عبيد اللَّه العجميّ - حرسه اللَّه - وفرغت منها ليلة السبت لخمسٍ بقين من شعبان سنة 375ه ، وكتب سلامة بن محمّد بن حرب وحسبنا اللَّه وحده». وهو من موقوفات السيّد المعظّم صدر الدِّين ابن السيّد شرف الدِّين محمّد بن الحسن بن عليّ بن خليفة الآوي عن عمّه السيّد أحمد بن الحسن بن عليّ بن خليفة الآوي.
3 - شرح ديوان المتنبّي: لابن العتايقي (الشّيخ كمال الدِّين عبد الرّحمن بن محمّد بن إبراهيم الحلّي الغرويّ) المتوفّى في حدود الثمانمائة، وقفت على الجزء الثاني منه وهو بخطّه، وفي هذا المخزن من مؤلّفات هذا الشّيخ المتنوّعة في سائر الفنون ما يقرب من ثلاثين مولّفاً، وقد فرغ من تأليف بعضها سنة 787ه .
4 - الجزء الثاني من تفسير التبيان: للشيخ الطوسي‏رحمه الله، المتوفّى سنة 460ه ، كتب في تاسع عشر سنة 576 ه ، كتبه محمّد بن محمّد، وصحّحه في التاريخ المذكور عليّ بن يحيى، وهو من موقوفات السيّد جلال الدِّين عبد اللَّه ابن شرف شاه الحسيني، وقفه في عاشر شعبان سنة 810 ه ، وهناك أوراق كثيرة مبعثرة من هذا التفسير، ولعلّه تكمل منه نسخة تامّة.
5 - الأسرار الخفيّة: للعلّامة الحِلّي‏رحمه الله، المتوفّى سنة 727ه ، وهو ردٌّ على أهل المنطق والطبيعي والإلهي، ثلاثة أجزاء بخطّ المصنّف .
6 - نهاية الإقدام في علم الكلام: لفخرالدِّين الرّازي،كُتب في حدود700.
وهناك كتبٌ لابن كمّونة اليهوديّ البغدادي بخطّه، كتبت في حدود الستّمائة والسبعين.
7 - كتاب الملتقط: للزّمخشري في اللّغة، بخطٍّ قديم، وهو مختارٌ من كتابه المحكم.
8 - كتاب تقريب المقرّب في النحو: لابن عصفور، والتقريب لأبي حيّان وهو بخطّه الأندلسي، وهناك كتبٌ كثيرة في الطبّ وغيره، وبعضها مقطوعة الأوّل والآخر لم تُعرَف.
9 - كتاب المباحثات: للشيخ الرئيس المتوفّى سنة 427ه ، كُتبت النّسخة سنة 718ه ، وهي من موقوفات مجد الدِّين أحمد بن حسن بن عليّ الآوي، وقفها سنة 775 ه - بحسب وصيّته عنه - ابنُ أخيه صدر الدِّين بن محمّد بن حسن بن عليّ بن خليفة الآوي.
10 - الجزء الأوّل من كتاب معجم الاُدباء: للحموي، بخطّ المصنّف، وتوجد أوراقٌ مبعثرة منه كثيرة.
وقد ذكر هذا المخزن السيّد عليّ ابن طاوس في كتاب الطّرائف فإنّه ذكر فيه كتاباً لأحمد بن حنبل في مناقب أهل البيت‏عليهم السلام، وهو من جملة كتب المخزن العلويّ.
وفي رياض العلماء المخطوط للميرزا عبد اللَّه الأفندي، قال في ترجمة الشّيخ إبراهيم الكفعمي ما لفظه: «وسماعي أنّه ورد المشهد الغرويّ وأقام وطالع في كتب الخزانة الغرويّة، ومن تلك الكتب أُلّف كتبه الكثيرة في أنواع العلوم، ومن تلك الكتب مؤلّفاته.
وتوجد في خزانة السيّد عيسى العطّار في بغداد بعض الكتب الثّمينة مستنسخةً على كتب هذا المخزن، وعند الشّيخ محمّد السّماوي النّجفي بعض نفائس مخطوطة على كتب هذا المخزن.
وذكر الشّيخ عليّ - حفيد الشّيخ حسن صاحب المعالم - في كتابه الدرّ النضيد كتاب الأنوار الإلهيّة في الحكمة الشرعيّة، تأليف بهاء الدِّين السيّد عليّ بن غياث الدِّين عبد الكريم بن عبد الحميد الحسينيّ النّيلي النّجفي الذي كان حيّاً سنة 791ه ، وهي السنة التي أجاز فيها للشيخ أحمد بن فهد الحلّي، وأطال الشّيخ علي المذكور في وصف كتاب الأنوار الإلهيّة وهو من جملة كتب هذا المخزن.
وذكر هذا المخزن أيضاً الشّيخ علي الحزين الگيلاني المولود سنة 1103ه في سوانحه المكتوبة سنة 1154ه ، عند مجيئه النّجف الأشرف ومكثه بها ما يقرب من ثلاث سنين، فإنّه وصف هذا المخزن بالكثرة، وقال: «فيه من كتب الأوائل والأواخر من كلّ فنٍّ ما لا يمكن عدّه وحصره».
وذكره أيضاً الملّا عبد اللَّه أفندي في رياض العلماء في ترجمة عناية اللَّه القهبائي النّجفي صاحب مجمع الرِّجال فإنّه ذكر نسخةً من هذا المجمع في مكتبة الخزانة الغرويّة.
وآخر من ذكر هذا المخزن السيّد عبد اللّطيف الشوشتري المولود سنة 1172ه في كتابه تحفة العالَم المطبوع في بمبئى للمرّة الثانية سنة 1312ه ، وهذا الكتاب هو رحلته إلى الهند، وفرغ من تأليفه سنة 1216ه ، فإنّه جاء إلى النّجف الأشرف في سنة 1202 ه واجتمع بأعلامها كالسيّد بحر العلوم، والشّيخ الكبير الشّيخ جعفر صاحب كشف الغطاء، والسيّد محمّد زيني، وغيرهم، وذكر منهم الملّا محمود ابن الملّا صالح الكليدار، وقال: «أطلعني على كتب الأميرعليه السلام وفيها من نفائس العلوم المختلفة التي لم توجد في خزائن السلاطين».
وهذا السيّد من أهل الخبرة بالكتب ومخازنها، فإنّه زار الهند ورأى خزائن ملوكها وذكرها في كتابه المذكور، فكلامه شاهد عدلٍ على‏ نفائس هذا المخزن.
وكان في أوائل القرن العاشر والحادي عشر رجال العلم يتردّدون إلى هذا المخزن للمطالعة والاستنساخ، فرأيت بعض الكتب المستعارة من هذا المخزن وعليها اسم المستعير والمعير، ويظهر من بعضها أنّ هناك غرفتين إحداهما صغيرة والاُخرى‏ كبيرة فيهما الكتب، وعليها قيّمٌ معلومٌ وفي يده إعارتها وإصلاحها.
منهم: محمّد جعفر الكيشوان.
ومنهم: عليّ ابن الشّيخ جعفر خضر الكتاب دار، وأحمد ابن الشّيخ جعفر الكتاب دار، رأيت شهادتهما بصكٍّ مؤرّخ سنة 1218ه ، وعبد الرزّاق كتاب دار الروضة الغرويّة، رأيت شهادته بصكٍّ مؤرّخ سنة 1172ه ، ورأيت في آخر نسخةٍ من مزار الشهيد، المكتوب سنة 1089ه كتبه... عصر الخميس في الخامس والعشرين من شهر جمادى الاُولى في هذه السنة... النّجفي المتخلّص بشهيدي كتابدار الغريّ.
ومنهم: المولى حسين القمّي النّجفي، يُذكر في وصفه كتاب دار كتابخانة الغرويّة، وهو من المؤلّفين كما ذكره الشّيخ آغا بزرك الطهراني.
ومنهم: محمّد حسين الكتاب دار بن محمّد علي الخادم، وهذا الرجل استفاد من هذا المخزن كثيراً، وقد وقف بعض الأعلام على‏ كتاب عمدة الطالب بخطّه، فرغ من كتابته سنة 1095ه ، وعليه حواشٍ كثيرة بخطّه، وهو من العلماء في النَسَب.
ومنهم: عليّ بن إبراهيم، فإنّه ورد اسمه على ظهر شرح طوالع البيضاويّ، أنّه ممّن نظر فيه في سنة 950ه ، والنّسخة في الخزانة الغرويّة، وكان معروفاً بالغطّاوي.
والسَّبب القويّ لجمع هذه الكتب وخزنها وجعلها في مكانٍ عامٍّ ينتفع بها كلّ أحد هو أنّ الخازن في ذلك العصر ومن التفّ حوله من الخَدمة كانوا من أهل العلم، وكان الغالب في تلك العصور على الخازن أن يكون عالماً، ولتطاول الأيّام وإهمال القائمين هذا المخزن وخلوّهم عن العلم تلف بعضها، وأكلت الأرضة الباقي منها بعد أن عاثت بها أيدي السرّاق والمستعيرين الذين يأخذون هذه الكتب ولا يرجعونها، وتوجد اليوم في بعض البيوت في النجف الأشرف وخارجه من هذه الكتب وعليها صورة وقف الحضرة العلويّة.
وقد تصدّى نائب الخازن - السّابق - السيّد محمّد الرفيعي بإيعازٍ من بعض الأعلام لتعيين غرفةٍ لها في الصحن الشريف وعمل لها قفصاً ونضّدها وأصلح بعضها، ولعلّه يعود ذلك المخزن وترجع أيّامه الغابرة وتساعده المقادير فتعود نضارته فيرسل إليه العلماء والمؤلّفون كتبهم وما هو تحت أيديهم من الكتب الموقوفة.
2. ومن المكتبات العامّة في النجف الأشرف: مكتبة العلّامة الشّيخ عليّ ابن الشّيخ محمّد رضا ابن الشّيخ موسى ابن الشّيخ الأكبر الشّيخ جعفر صاحب كشف الغطاءرحمه الله، وهي من المكتبات الشهيرة في النجف الأشرف، وقد قامت على مخلّفات أشهر مكتبات النجف الكبرى وما يتبعثر منها، وهي مكتبة ثمينة، جمعت قماطيرها اُمّهات الكتب القديمة ويتيمات المصنّفات في سائر العلوم والفنون، أكثرها مخطوطٌ في العصور الخالية، وقد طبع بعض مخطوطاتها، ولكنّ النسخ التي فيها لا تزال تحتفظ بقيمتها التاريخيّة، وقد سافر الشّيخ‏رحمه الله عدّة أسفار إلى الآستانة وإيران والحجاز والهند، وبأسفاره - هذه - جمع قسطاً وافراً منها.
ومن محتوياتها القيّمة كتاب مقاييس اللّغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا القزويني الرازي المتوفّى سنة 395 ه ، وقد طبع أخيراً هذا الكتاب بمصر في ستّة أجزاء. ومن محتوياتها أيضاً مجمل اللّغة لابن فارس أيضاً، وطراز اللّغة للسيّد علي خان المدني الشيرازي الحسيني صاحب سلافة العصر، وأنوار الربيع، المتوفّى سنة 1120ه. وفي هذه المكتبة من الكتب التاريخيّة ومعاجم الرِّجال شي‏ءٌ كثير.
وقد استنسخ الشّيخ رحمه الله كثيراً بخطّه الكتب الثّمينة في أسفاره إلى البلاد المذكورة، وفي هذه المكتبة بعض النسخ المخطوطة التي لم توجد في غيرها، منها: تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نَسَب أبناء الأئمّة الأطهارعليهم السلام للسيّد ضامن بن شدقم الحموي المدنيّ، المتوفّى بعد سنة 1088ه. ومنها: نسمة السّحر فيمن تشيّع وشعر ليوسف بن يحيى بن حسين بن المؤيّد باللَّه محمّد ابن الإمام المنصور باللَّه القاسم بن محمّد الحسينيّ اليمانيّ المتوفّى بصنعاء سنة 1121ه.
وفي هذه المكتبة كثيرٌ من المجاميع الخطّية القيّمة، وقد لاقى صاحبها المتاعب والمشاقّ في جمعها، وألّف للمكتبة فهرساً جامعاً لأسماء كتبها ومؤلّفيها والعلوم التي دُوّنت فيها مع الإشارة إلى المطبوع منها والمخطوط، وبعد وفاته‏رحمه الله سنة 1350ه صارت تحت يد ولده المغفور له العلّامة الحجّة الكبير الشّيخ محمّد الحسين، وبعد وفاته سنة 1373 ه ، انتقلت إلى أولاده، ولم تزل باقيةً حتّى اليوم مفتوحةً أبوابها لروّاد العلم وطلّاب الفضيلة.
3. ومن المكتبات العامّة: مكتبة العلّامة الحجّة السيّد محمّد اليزديّ الطّباطبائيّ النّجفي، المتوفّى سنة 1334ه ابن الحجّة العظمى الفقيه السيّد محمّد كاظم اليزدي الطباطبائي النجفي المتوفّى سنة 1337ه ، وقد جمع طاب ثراه كتباً كثيرة حين ما حاز والده المذكور الزعامة الدينيّة، وكانت حاويةً لسائر العلوم والفنون من عربيّةٍ وفارسيّة، وفيها كثيرٌ من الكتب التاريخيّة المترجَمَة عن العربيّة إلى الفارسيّة أو العكس، وأكثر ما فيها مطبوعٌ. وكان - طاب ثراه - مُجدّاً في تنميتها واستنساخ بعض المخطوطات، وجعل لها فهرساً فارسيّاً في اسم الكتاب وقيمته ومحلّ شرائه، وقد بيع أكثرها بعد وفاته وتفرّقت ولم يبق منها إلّا القليل عند أولاده، والباقي منها - الآن - في المدرسة التي بناها والده المرحوم السيّد محمّد كاظم، مفتوحةً أبوابها لمن أراد الاستفادة منها.
4. ومن المكتبات العامّة في النجف الأشرف: مكتبة الشوشتريّة، أسّسها المرحوم الحاجّ علي محمّد النجف آبادي، وكان عالماً فاضلاً، وتوفّي في النجف الأشرف سنة 1332ه ، وهي عبارة عن غرفة في زاوية حسينيّة، عدد كتبها المطبوعة والمخطوطة - اليوم - يناهز عشرة آلاف مجلّداً، المخطوط منها 1000 كتاب، يدير جميع شؤونها رجلٌ واحدٌ هو المدير، وهو الخادم، وهو النّاظم، وهو المحاسب، وهو المرتّب، وهو المفهرِس، هو وحده لا شريك له، وتفتح كلّ صباحٍ مرّةً واحدة، يؤمّها روّاد العلم لاستفادتهم منها.
5. ومن المكتبات العامّة: مكتبة شيخنا المغفور له الحجّة الشّيخ آغا بزرك الطهراني الغروي، المتوفّى سنة 1389ه ، صاحب كتاب الذريعة فقد وقف مكتبته التي كانت خاصّةً به سنة 1380ه ، وهي تحتوي على أربعة آلاف كتاب تقريباً، ويقصدها روّاد العلم للمطالعة، وهي تُفتح كلّ يوم، وقد كتب صورة وقفيّتها وعلّقها على جدار الغرفة ودُفن في مقبرته التي اتّخذها له تحتها في داره الخاصّة به، وفيها كثيرٌ من المخطوطات.
6. ومن المكتبات العامّة: مكتبة الإمام المغفور له الحجّة والمرجع الأعلى السيّد المحسن الطباطبائي الحكيم - طاب ثراه - المتوفّى سنة 1390ه ، فقد أُسّست بأمره في النجف الأشرف سنة 1377ه ، وقد حَوت من المخطوطات حتّى الوقت الحاضر سنة 1392 حوالي 4000 مخطوطاً، ومن المطبوعات حوالي 25000 على اختلاف أنواعها، يؤمّها روّاد العلم من البلاد الإسلاميّة وغير الإسلاميّة الكثير للاستفادة منها، وتفتح باليوم مرّتين.
وكان‏قدس سره أصدر أمره بإنشاء فروعٍ كثيرةٍ لها في بعض الألوية العراقيّة والمدن الكبيرة والصغيرة لكي تكون طريقاً لإفادة الطبقات كافّةً، وأناط أمر كلّ فرعٍ من هذه الفروع إلى رجلٍ من رجال الدِّين من ذوي المقدرة والكفاءة العلميّة ليقوم بإرشاد النّاس وقضاء واجباتهم الدينيّة، فأصبحت هذه الفروع المنتشرة كمدارس موزّعةً في أنحاء العراق ذات رسالةٍ دينيّة واجتماعيّة كبرى‏، رائدها نشر الإسلام ودساتيره بين النّاس.
وأخذت المكتبة تتّصل بالجهات الثقافيّة في البلاد الإسلاميّة وغيرها، وأخذت تغدق على تلك الجهات بكثيرٍ من المصادر الإماميّة، وتوفّر وسائل البحث في معتقداتها لمن أراد البحث فيها حتّى لا يبقى عذرٌ للباحثين بقلّة المصادر الإماميّة وأمثاله.
ولها فهارس فيها أسماء الكتب المخطوطة والمطبوعة، ومديرٌ وخدّامٌ يقومون بوظائفهم ويهيّئون كلّ كتابٍ يطلبه المطالِع للاستفادة منه، وهي تقع في أوّل شارع الرسول صلى الله عليه وآله من جهة باب القبلة للصحن الشريف العلويّ، وبجنب مقبرته التي دُفن فيها بجنب مسجد الهنديّ.
7. ومن المكتبات العامّة: مكتبة الغريّ، أُسّست سنة 1336ه ، تحت إشراف وزارة المعارف العراقيّة، فيها من الكتب القديمة والحديثة ما يربو على‏ ستّة آلاف كتاب في شتّى العلوم واللّغات، وهي مزدحمة بالمطالعين عند الدّوام اليوميّ الذي عُيّن لها، يديرها مديرٌ معيّن من الوزارة، وتزوّدها بالكتب التي تُطبع جديداً بين الفينة والفينة.

مكتبة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام‏]

8 . ومن المكتبات العامّة: مكتبة الإمام أمير المؤمنين‏عليه السلام، وتحوي اليوم من الكتب - بشتّى اللّغات - من المخطوطات الأثريّة 3262 مجلّداً، ومن المطبوعات 34543 مجلّداً، وعدد الكتب الموجودة على الورق الحسّاس 490 مجلّداً، وعدد الكتب على‏ أشرطة المايكروفلم - 870 مجلّداً، وعدد المجلّات والنشرات 1900 مجلّداً، وفيها من التّحف الأثريّة ما نشره مدير المكتبة اليوم، الاُستاذ الشّيخ رضا شبل الحجّة الأميني، في العدد الثالث من صحيفة المكتبة المطبوعة بطهران.
وتملك هذه المكتبة تسع دور لبناية المكتبة، اُشتُريت في تواريخٍ متعاقبة آخرها دار الوجيه الحاج جعفر شير علي النجفي، فقد اشترتها سنة 1381ه.
وجميع ما قيّد في دفاتر المكتبة من عقارٍ وأثاثٍ ورياشٍ وبسطٍ وكراسيّ ومصطباتٍ ومناضد ومراوح وثريّاتٍ وغيرها، فهي برمّتها موقوفةٌ عليها، وقُيّد باسمها ما اشتري لها من الدّور في المحاكم الرسميّة، وكان المتولّي عليها شيخنا الأميني في حياته، وهو المؤسّس لها، وقد اشترط على المتولّين من بعده تعيين من يتولّى أمر المكتبة بعدهم قبل التصدّي بأمرٍ ما من أمورها، ولا مندوحة لهم عن ذلك، وكذلك في كلّ طبقةٍ بعد طبقة، فلا يسوغ للمتولّين في كلّ طبقة التدخّل في شؤونها ما لم يعيّنوا من يتولّى أمرها بعدهم.
وأهمّ ما اشترط: أنّ المتولّين في كلّ طبقة كانوا إن عجزوا عن القيام بواجبها ولم يمكنهم إدارة شؤونها فعليهم التقاعس عنها وتعيين آخرين من رجالٍ يسعهم النهوض بإدارتها، وإن افتقد - والعياذ باللَّه - من يمكنه حمل أعبائها فعليهم إحالة أمرها إلى مديريّة مكتبة الإمام عليّ بن موسى الرِّضاعليه السلام في خراسان وضمّها إليها في التولية، والمتولّي أمر تلك المكتبة له أن يقوم بإدارة هذه المكتبة مشروطاً ببقائها في النجف الأشرف وعدم جواز حملها إلى غيرها من البلاد بأيّ مسوّغ.
تأسّست هذه المكتبة في غرّة جمادى الاُولى سنة 1373ه ، وقد أرّخ الفاضل الأديب السيّد محمّد الحلّي النجفي - حفظه اللَّه - عام تأسيسها، فقال:
ومكتبةٍ قد علت رفعةً
وباسم عليٍّ سمت مرتبه‏
أراد الأمينيُّ تأسيسها
فأرّخ «له تمّت المكتبه»
وقال الأديب البارع المغفور له الشّيخ محمّد الخليلي رحمه الله، وقد كتبت الأبيات على جبهة بابها بالحجر القاشاني:
ها هنا معهد علمٍ شاده‏
رجل الحزم الذي عزّ قرينا
مَن غدا رائده الحقّ وقد
فتح اللَّه له فتحاً مبينا
شيخنا الحبر الأمينيّ الذي‏
راح في حفظ الولا يطوي السّنينا
رامَ أن يرفع للعلم الذّرى‏
ببنا مكتبةٍ تحوي الفنونا
و رجا باسم عليٍّ أن يرى‏ ال
-عون فيها فرأى اللَّه المُعينا
شادَها بيتاً رفيعاً سامياً
خلّدت فيه مساعيه قرونا
فإذا ما جاءها مستفهمٌ‏
عن بناها وأتاها الوافدونا
باسم من قد أُنشئت أرّخ «بلى‏
أُنشئت باسم أمير المؤمنينا»
مضت أعوامٌ على‏ هذه المكتبة وهي في دَور الإنشاء حتّى اُفتتحت باليُمن والسعادة في يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجّة الحرام سنة 1379ه ، ونُشر نبأ الافتتاح والدّعوة إليها من العراق منشورٌ من قِبل المغفور له مؤسّسها الحجّة الأمينيّ، ونصّه:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏
«الحمدُ للَّه الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية مولانا أمير المؤمنين‏عليه السلام ﴿وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً﴾27الأحزاب (33): 47. في هذا اليوم السعيد عيد تتويج سيّد العترة بعد النبيّ الأعظم‏صلى الله عليه وآله وسلم بعمامته، السّحاب، رمز الولاية الكبرى‏ في حشدٍ من الاُمّة - مائة ألفٍ أو يزيدون - نُبشِّر رجال الثقافة وروّاد العلم والفضيلة بافتتاح مكتبة أمير المؤمنين‏عليه السلام العامّة للمطالعة والاستفادة والاستثمار من حقلها اليانع، والاستضاءة بضوئها، والاقتباس من نورها الزّاهر، وذلك فضلٌ من اللَّه ما أكبره وما أعظمه، ونرحّب بالوافدين لزيارة المكتبة العامرة من ليلة 18 ذي الحجّة إلى 22 خمس ليالٍ متوالياتٍ، ومن يوم السبت 23 من الشهر يستمرّ الدّوام إن شاء اللَّه، باليُمن والسّعادة، فحريٌّ بكلّ مسلمٍ صحيحٍ يحمل روح الإنسانيّة السّامية ويشعر بعوامل الرقيّ والتقدّم، ويبتغي الحياة السّعيدة الروحيّة التي لا نفاد لها أن يساهم في هذا السّرور بالحضور، ويكحل البصر بالنظر إلى جمالها البهيّ، ويباهي بهذا المشروع المقدّس ويعتزّ به، ويهنّئ كلّ فردٍ صاحبه بهذه المنحة الكبرى‏، ولوليّها الحمدُ أوّلاً وآخراً.
أُهديت إلى هذه المكتبة مكتباتٌ شخصيّةٌ ضخمة من أهالي إيران والعراق وغيرهما لتُضمّ إليها، تخليداً لذكرهم، وابتغاء الأجر والثواب، ويربو عدد المُهدِين على ألف نسمة، ويربو عدد الكتب على عشرين ألف مجلّداً باللّغات المختلفة، كما أنّ الجمعيّات والمؤسّسات العلميّة ودور النشر أهدت إلى المكتبة جميع مطبوعاتها، منها:
1 - المجمع العلميّ العراقيّ ببغداد.
2 - مديرية الآثار العامّة ببغداد.
3 - مؤسّسة بنياد بهلوي بطهران.
4 - أنجمن آثار ملّي باستان إيران بطهران.
5 - المطبعة الإسلاميّة لصاحبها الحاجّ السيّد إسماعيل الكتبي بطهران.
6 - دار الكتب الإسلاميّة لصاحبها الحاجّ الشّيخ محمّد الآخوندي بطهران.
ولا زالت الهدايا تُترى‏ في الفينة بعد الفينة، كما أنّ المكتبة اشترت على حسابها مكتباتٍ ضخمةً من العراق وسوريا ولبنان وإيران واستانبول وغيرها، تضمّ آلافاً من الكتب، واُهدي لها من الصُّحف والمجلّات باللّغات الإسلاميّة وغيرها أكثر من ألفي مجلّدٍ، ولا زالت الهدايا تُترى‏ في كلّ وقتٍ وحين، وتسجّل في سجلّ المكتبة بأسماء المتبرّعين لها، وقد يتبرّع أُناسٌ من رجال الخير والصلاح بأموال ويخصّه لشراء الكتب فحسب، فتقتنى كتبٌ على‏ حسابهم وتُوشّح بخاتم المكتبة ويُذكر فيه اسمه.
كما أنّ الذين أتحفوا المكتبة بمكتباتهم الشخصيّة وآثروها بها أو أهدوا إليها كتباً كثيرة، وهم يدأبون في تزويدها بالكتب، اتّخذت إدارة المكتبة خواتيم بأسمائهم توسم بها هداياهم، فضلاً عن خواتيم عامّة يُوشّح بها كلّ كتابٍ يرِد المكتبة.
وما زالت المكتبة مفتوحة الباب بمصراعيه للمطالعين، ولم تحتجب خلال السنة إلّا الأيّام التالية:
1 - شهر محرّم الحرام.
2 - شهر صفر الخير.
3 - شهر ربيع الأوّل، يوم (8) و (17).
4 - شهر جمادى الاُولى، يوم (15).
5 - شهر رجب، يوم (1) و (3) و (13) و (15) و (25).
6 - شهر شعبان، يوم (3) و (15).
7 - شهر رمضان المبارك، يوم (21).
8 - شهر شوّال، يوم (1) و (3) و (25).
9 - شهر ذي القعدة الحرام (آخر الشهر).
10 - شهر ذي الحجّة الحرام، يوم (7) و (9) و (10).
11 - ليلة الجمعة ويوم الجمعة من كلّ أسبوع.

[ما كتبوا عن المكتبة]

وقد اتّخذت المكتبة سجلّاً خاصّاً يسجّل فيه الزائرون كلماتهم حول المكتبة من الاُمراء والوزراء والعلماء والسيِّاح والأساتذة وغيرهم.
[1] وقد افتتح السجلّ الحجّة الأميني طاب ثراه، فسجّل فيه كلمته الخالدة القيّمة الآتية:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏
سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، يا ذا النِّعم السّابغة، والآلاء الوازعة، والأيادي الجميلة، والمواهب الجسيمة، اللَّهُمَّ جلّت قدرتك، وعظمت مُنّتك، وعمّت مِنّتك، وجرَت مشيّتك، على أن تُنجز أُموراً هامّةً فادحةً، وأعمالاً باهضةً، بيد أضعف عبادك، وأعجز مَن خلقته مِن بريّتك، رمزاً لقدرتك، وإعلاءً لعظمتك، وإشادةً بأنّك تفعل ما تشاء ولا يفعل ما يشاء غيرُك، اللَّهُمَّ أنت كما أثنيت على نفسك، ونحن عبادك الموثوقون بإرادتك، والمتطفّلون على موائد كرمك، نسألك من فضلك، ونقوم وننهض بمشيّتك، سائرين إلى حيث شئت وأنّى أردت، ولا حول ولا قوّة إلّا بقدرتك ووعدك الحقّ ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾28محمّد (47): 7..
اللَّهُمَّ فلكَ الحمد، ولكَ الشكر على ما مَننتَ به عليَّ من فضلك وطَولك، واخترتني من بين عبادك للنّهوض بهذا العِب ا لفادح، والقيام بهذا المشروع المقدّس - وما أنا وما خطري - خدمةً لسيّد العترة وأبي الأئمّة، ونور الاُمّة، أبي الحسن أمير المؤمنين المفدّى، خدمةً للعلم والدِّين، خدمةً لجامعة القدس والعمل والتقوى‏، كلّية الإنسانيّة السّامية.
وعليك أيّها الوافد الكريم بمطالعة المكتبة نفسها قبل مطالعة كتبها، فإنّها تحوي دروساً أعظم وأعظم ممّا تجده في غضون الكتب، فإن سرحت النظر في فجواتها، وشاهدتَ رأي العين ضعف مؤسّسها الأميني تعرف أنّ الاُمور تجري بمشيّة اللَّه، وليست هي إلّا صنع البارئ القدير المتفضّل، ولا تحسبها عمل الفرد الضعيف مثلي، وما النّصر إلّا باللَّه وبنصر اللَّه فليفرح المؤمنون.
وتعرف أنّ التوكّل على اللَّه أكبر ذخرٍ للعباد، وليست بضاعةٌ أثمن وأغلى منه لمن أسلم وجهه للَّه وهو مُحسن ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾29الطلاق (65): 3.، ﴿وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا﴾30إبراهيم (14): 12.، ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ﴾31آل عمران (3): 159..
وتعرف أنّ من أخلص الولاء لسيّد العرب أمير المؤمنين‏عليه السلام ووالاه وناصره يحفّه النصر والظّفر، يوردفه النجاح والفلاح فيما يتمنّاه ويهواه ببركة دعاء النبيّ الأعظم‏صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خمّ وعداً من اللَّه العزيز.
وتعرف أن ليس للإنسان إلّا ما سعى، وعليه أن يسعى، وعليه أن يقوم ويعمل، وعليه أن ينهض دون الحياة الروحيّة السعيدة التي لا نفاد لها ويجتهد، ولا يتقاعس عن العمل نظراً إلى ضعفه وعجزه، وعليه أن يتفانى تجاه السعي وراء صالح الاُمّة، ناهضاً بحول اللَّه وقوّته لا بحوله وقوّته، وليكن على يقينٍ ثقةً باللَّه من أنّ الفلاح والنجاح حليفه إن حسنُت نيّته، وطابت طويّته، وخلُصت نواياه، واللَّه عونه وناصره ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾32العنكبوت (29): 69. وعداً غير مكذوب.
فهلمّوا معي إلى نشر ألوية العلم والفضيلة، إلى توطيد أُسس العزّ والكرامة، إلى مكافحة الجهل بالعلم النّاجع، والثقافة الدينيّة الصحيحة التي تجتثّ بها جرثومة كلّ فساد، وتتأتّى بها سعادة البشر في العاجل والآجِل، واللَّه وليّ التوفيق، وله الحمد .

[2] وزار المكتبة العلّامة الكبير الحجّة المغفور له السيّد محمّد الجواد الطباطبائي التبريزي الغرويّ وسجّل كلمته الآتية:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، وله الحمد
اللَّهُمَّ إليك يصعد الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، والعمل الصالح ترفعه إلى أعلى عليّين، قد ساقني حوافز التوفيق ليلة السّابع والعشرين من ليالي شهر رمضان المبارك سنة 1379ه ، لزيارة مكتبة مولانا أمير المؤمنين‏عليه السلام التي شادها عزم رجل المزايا والفضائل الإنسانيّة، العلّامة الحجّة الإمام الشّيخ الأميني الأمين على الدِّين والدُّنيا، وإذا أنا جالسٌ في مظهرٍ من مظاهر الجنّة التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين، فما زلتُ أجيل طرفي من لذيذٍ إلى ألذّ، ومن بديعٍ إلى أبدع، ومن حسنٍ إلى أحسن، فقلت في نفسي: هذه هي ثمار الجنّة التي يرزقها اللَّه تعالى من يشاء من عباده في الدُّنيا، كما قال في كتابه الكريم: ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾33البقرة (2): 25.. وفّق اللَّه الجميع للمسارعة إلى المكارم، ونفائس المغانم، إنّه وليّ التوفيق، وبه المستعان.

[3] وزارها العلّامة الكبير الحجّة شيخنا الشّيخ مرتضى آل ياسين الكاظميّ النجفيّ أدام اللَّه وجوده وسجّل كلمته الآتية:

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم‏
من حسن الحظّ الذي ساقه إليَّ حسن التوفيق أن حظيتُ بزيارة مكتبة مولانا أمير المؤمنين - عليه أفضل الصّلاة والسّلام - التي وفّق لتأسيسها سماحة العلّامة الحجّة الشّيخ الأمينيّ أدام اللَّه تأييده، فرأيتُ فيها من النفائس والأعلاق ما لا عينٌ رأتْ ولا أُذنٌ سمعت، حتّى أصبحت مفخرةً من مفاخر الإسلام، فأسأل اللَّه تعالى أن ينفع بها الدِّين، ويعزّ بها الإسلام والمسلمين، إنّه الموفّق وهو المُعين.
[4] وزارها العلّامة الكبير الحجّة سماحة الشّيخ محمّد رضا الشبيبي النجفي‏رحمه الله في 25 محرّم الحرام سنة 1380ه ، وسجّل كلمته الآتية:
من دواعي غبطي وسروري أن أزور هذه الخزانة الشريفة، خزانة الإمام أمير المؤمنين‏عليه السلام، وقد ثبت لديّ - بعد الطّواف في أقسامها - أنّها خزانةٌ فريدةٌ في بابها، عظيمةٌ في محتوياتها، وعلى كلّ من يزورها أن يشكر الأعلام الأجلّاء الذين عُنوا بتأسيسها، حفظهم اللَّه تعالى ووفّقهم، والسّلام.

[5] وزارها الاُستاذ المحقّق صلاح الدِّين المنجّد اللّبناني سنة 1962م في 7 كانون الأوّل، وبصحبته كلٌّ من المحامي السيّد محمّد رضا آل السيّد سلمان النجفي، والاُستاذ كوركيس عوّاد البغداديّ، مدير مكتبة المتحف العراقي سابقاً وعضو المجمع العلمي العراقي اليوم، وسجّل كلمته الآتية:

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، وله الحمد
وبعدُ، فقد أسعدنا الحظّ بزيارة مكتبة الإمام أمير المؤمنين‏عليه السلام العامّة، فتلقّانا أمينها البارّ الحاج رضا الأميني نجل العلّامة الشّيخ عبد الحسين الأميني مؤسّسها ورافع كيانها - بالترحاب والإيناس، وأطلعنا على ما اشتملت عليه المكتبة من مخطوطاتٍ نادرةٍ ومزوّقةٍ لم نرَ فيما رأيناه من المخطوطات مثلها، فابتهجت قلوبنا وسرّت نفوسنا، واللَّه - جلّ جلاله - يبقي هذه المكتبة عامرةً، ويجزي مؤسّسها والقائمين عليها أحسن الجزاء، والحمدُ للَّه.
وكتب صلاح الدِّين المنجّد يوم زيارته النجف الأشرف في السّابع من كانون الأوّل سنة 1962م.

[7] وزارها الدكتور عبد المجيد الحكيم الاُستاذ في كليّة الحقوق بجامعة بغداد في 13 ذي القعدة سنة 1380ه ، وسجّل كلمته الآتية:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏
تشرّفتُ بزيارة مكتبة الإمام أمير المؤمنين‏عليه السلام فوجدتُ فيها ما كان يشغل تفكيري دائماً، ووجدتُ فيها العمل الخالص لوجه اللَّه الذي لا يريد جزاءً ولا شكورا.
إنّ مدينة النجف كانت بحاجةٍ إلى مثل هذه المكتبة منذ قرونٍ طويلة، وقد قيّض اللَّه لها مَن سدّ حاجتها هذه، فطوبى‏ له على هذا العمل الجليل الذي سيظلّ خالداً على‏ مرّ العصور، إنّني إذ اُحيّي منشئ هذه المكتبة أدعو اللَّه أن يهيّئ للاُمّة الإسلاميّة أمثاله ليُنشئوا دور العلم فتعود للإسلام نضارته، ويعود له من يظهره على حقيقته أمام العالم أجمع ﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾34التوبة (106): 106..

[8] وزارها المغفور له الدكتور في الآداب العربيّة الأستاذ مصطفى جواد البغداديّ في 29 ذي الحجّة سنة 1381 ه ، وسجّل كلمته الآتية:

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم‏
لقد تشرّفتُ بزيارة مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليه وسلامه، وكانت هذه الزيارة من محاسن التوفيق وغوالي الأماني، فإنّها مكتبةٌ عظيمةٌ كريمةٌ جمعت كنوز المعرفة ومظانّ العرفان من نفائس الكتب المخطوطة والمطبوعة، وسائر الكتب التي هي الوسائل البالغة لنشر الدِّين والعلوم الإسلاميّة والآداب العربيّة وغيرها من ضروريّات الثقافة الإسلاميّة، وهي من المؤسّسات العلميّة الخيريّة المباركة القيّمة النّفع، الشاملة البركة، المبيّنة الرّشاد، العظيمة الهداية للعباد، وإنّه ليسعني كلّ السِّعة هنا أن أنوّه بفضل السّاعي في قيامها ونشوئها ونمائها، العلّامة الجليل، الإمام النبيل، عبد الحسين الأميني مؤلّف كتاب الغدير الذي مدّ البحار، وزها على أعظم الآثار، وفّق اللَّه الجميع لخدمة الإسلام والمسلمين والعلماء والمتعلِّمين، إنّه العزيز القدير.

وقد زارها عددٌ كثيرٌ من الأعلام والأساتذة من سائر الأقطار الإسلاميّة وغيرها للاطّلاع على ما فيها من الآثار القيّمة، وسجّلوا كلماتهم في سجلّ الزّيارات المتّخذ لزائري المكتبة، نذكر منهم:
1 - الأستاذ عبد المجيد الأنصاري، بتاريخ 1 جمادى الثانية سنة 1380ه .
2 - الأستاذ السيّد باقر كمال الدِّين، حاكم محكمة بداءة العمل غير المحدودة في الحلّة، بتاريخ جمادى الثانية سنة 1380ه .
3 - سالم النعمان، حاكم استئناف الإصلاح الزّراعي للواء الحلّة، بتاريخ 25 / 11 سنة 1960م.
4 - الدكتور محمّد مكيّة، عميد كليّة الهندسة ببغداد، بتاريخ 1 / 1 / 1961م.
5 - سالم الآلوسي، مدير النشر والتصوير في مديريّة الآثار العامّة ببغداد، بتاريخ 29 ذي الحجّة سنة 1381ه .
6 - السيّد جعفر السيّد نوري الشلّاء، حاكم بداءة النجف الأشرف غير المحدودة، بتاريخ 11 / 11 / سنة 1962م .
7 - مصباح أمين قليلات، مدير المدرسة الوطنيّة العالية في بيروت، بتاريخ 1 ربيع الثاني سنة 1383ه .
8 - الشّيخ عليّ ابن الشّيخ بلفقيه، مدير عام معارف حضرموت، بتاريخ 15 / 10 / سنة 1964م.
9 - جبرائيل مالك المسيحي، الأستاذ في جامعة القدّيس يوسف ببيروت.
10 - عبد اللَّه القلقيلي، مُفتي المملكة الأردنيّة الهاشميّة، وعبد الأحد محمود مبعوث الأزهر، ومحمّد متمول، مدير مكتب شيخ الأزهر، بتاريخ 4 ربيع الأوّل سنة 1385ه .
11 - محمّد أسد شهاب، بتاريخ 4 ربيع الأوّل سنة 1385ه .
12 - عبد الرّحمن البزّاز، الأستاذ الحقوقيّ، بتاريخ 28 شهر رمضان 1385ه .
13 - حسين الحبشي، مندوب مؤسّسة الدّعوة الإسلاميّة وممثّل الطلبة المسلمين باندونسيا، بتاريخ 20 شهر ذي الحجّة سنة 1387ه .
14 - محمّد الباهر، رئيس جامعة محمّد الخامس في الرّباط - المغرب.
15 - الشّيخ محمود محمّد فادح، وزير الشؤون الصوماليّة، والشّيخ حسن عبد اللَّه فلاح، وزير العدل الصومالي، بتاريخ 26 / 4 / سنة 1966م.
16 - الدكتور حسين نصّار، الأستاذ المساعد بكليّة الآداب في جامعة القاهرة، بتاريخ 13 / 5 / سنة 1966م.
17 - الدكتور ناصر الدِّين الأسد، رئيس الجامعة الأردنيّة بعمّان، بتاريخ 31/ 3 / سنة 1968م.
18 - شوقي ضيف، الأستاذ بكليّة الآداب في جامعة القاهرة، بتاريخ 1 محرّم الحرام سنة 1388ه .
19 - رودي كريز، رئيس المعهد الثقافي في ألمانيا الديمقراطيّة ورئيس نادي الإسبرانثوني، بتاريخ 10 / 5 / سنة 1968م.
20 - الدكتور حسين سبح، رئيس مجمع اللّغة العربيّة بدمشق، والدكتور محمّد أحمد سليمان رئيس مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، والدكتور محمّد هيثم الخيّاط، بتاريخ شهر محرّم الحرام سنة 1391ه .
21 - الأستاذ محمود يونس، عميد كليّة التربية في الجامعة الإسلاميّة في جاكرتا - أندونسيا، بتاريخ 8 أكتوبر سنة 1961م.
22 - الزّعيم الرّكن خليل سعيد، قائد الفرقة الاُولى في العراق، بتاريخ 5 / 9/ سنة 1961م.
23 - سلطان أمين، متصرّف لواء كربلاء، بتاريخ 22 / 11 / سنة 1964م.
24 - محمّد الحبيب ابن الخوجه، أُستاذ الدراسات القرآنيّة بالجامعة الزيتونيّة، بتاريخ (12) محرّم الحرام 1388ه .
25 - الدكتور عبد الهادي محبوبة، بتاريخ 14 جمادى الاُولى سنة 1380ه .
26 - الأستاذ رشيد الصفّار، بتاريخ 14 جمادى الاُولى سنة 1380ه ، وكتب في السجلّ:
ومكتبةٍ شادَ الأمينيُّ أُسّها
بإسم أمير المؤمنين تَدومُ‏
27 - يحيى حسين فوزي، مدير أوقاف كربلاء، بتاريخ 21 / 2 / سنة 1961م.
28 - فاتح مصطفى، مدير معارف الحلّة، بتاريخ 23 / 2 / سنة 1961م.
29 - حسين عوض هيبة، مدير عام التخطيط بوزارة الخزانة، الجمهوريّة العربيّة المتّحدة.
30 - مولوي عبد البصير، رئيس تمييز محاكم الأفغان، ومحمّد موسى أسعدي رئيس استنئاف عالي أفغان، وعبيد اللَّه صافي، عضو تمييز محاكم الأفغان ورئيس ديوان تأدية قضاة و ديوان التنازع.
وغير هؤلاء من الأساتذة كثيرون لا يسع المجال لذكر أسمائهم، وقد سجّل كلٌّ منهم كلمته في سجلّ الزّيارات، ومدير المكتبة الأستاذ الشّيخ رضا الأمينيّ يُطلع كلّاً من الزائرين على الكتب الأثريّة والتّحف الثّمينة وتواريخها القديمة، بكلّ تجلّة واحترام وأخلاقٍ جميلةٍ، وفّقه اللَّه لمراضيه، وجعل مستقبل أمره خيراً من ماضيه، واللَّه في عونه.

وفاته طاب ثراه

قال بعض الأعلام:
لا يولد ابن آدم فيمضي عليه يومٌ وليلة إلّا وينقص من عمره مثله، فهو لا يزال يطوي بساط الحياة طيّاً إلى أن تنتهي ساعاته وأيّامه، فتهدأ أنفاسه كجمرةٍ خَمدت بعد الوقود، أو شُعلةٍ طُفئت بعد لهيبها، هكذا النّاس كلّهم من غير استثناء، ما بين دوحةٍ نَمت وبَسقت، ثمّ هَبّت عليها رياح الفناء، أو وردةٍ ابتسمت ثمّ ذبلت، أو زَهرةٍ لم تفتّق أكمامها حتّى ذَوَت بأعاصير محرقةٍ، فالموت موتٌ، وهو جامعٌ مشتركٌ بين الكلّ، لكنّه مع ذلك يفترق في الأشخاص بحسب الآثار والخصوصيّات؛ فربّما يأتي الشّخص حَينه، وتنصرم أيّامه ولياليه فيموت بنفسه، لا تصعد له زفرة، ولا تترقرق له عَبرة، وإذا مات قيل: بُعداً له، هانَ مفقوداً قد أراح اللَّه منه.
هذا هو الموت الحقيقيّ، والفناء المردي، والهلاك المبرم، وربما يطوي مسافة الحياة بقدمٍ ثابتٍ، وسعيٍ متواصلٍ، فيبلغ الغاية، ويسحب أذيال النّفس عن هذه الحياة الدّانية فيقضي نحبه، ويأتيه اليقين فيلاقي ربّه، فلا يموت هو وحده، وإنّما بموته تموت اُمّة، كما كانت بحياته حياة أقوام، وقديماً قيل:
وما كان عمروٌ فقده فقد واحدٍ
ولكنّه بنيانُ قومٍ تهدّما
فعند موته تقوم المآتم، وتقعد العزائم، ويرتجف القلب، وتَهمل العيون بالعَبرات، وتتّقد الأحشاء بالزّفرات، ولأجله تُجدّد الذكريات، وتتفاوض الأحاديث على كرّ اللّيالي والأيّام، وتُقام المهرجانات. وإنّما المرء حديثٌ بعده.
هذا هو الذي ليس موته هو الموت، وإنّما هو الحياة الدّائمة، والعيش الأبديّ الخالد، هكذا يكون موت العلماء المُصلحين، فإنّ العالِم المصلح في حياته ليس هو الشخص المتعيّش بنفسه، ولكنّه بحياته حياة الكثيرين، فمن أنفاسه تستمدّ الأنفاس، ومن روحه تنتعش النفوس والأرواح، وبنفحات قلمه ولسانه يُدرأ عن القلوب صدأ الشّكوك والشُّبهات، وهو الشّاعب لمنا صدع في الشّعب، والرّاتق لما فتق من الأمر، فإذا مات وافتقد بظاهره عن هذا العالم المحسوس فقد ترك فراغاً لا يُشغل، وصدعاً لا يُشعب، وفتقاً لا يُرأب، وثلُمت بموته في الإسلام ثلمةٌ لا يسدّها شي‏ء إلى يوم القيامة، فما مات هو وحده، وإنّما مات به الفضل الجَمّ، والعلم الغزير، والهدى الصّالح، والإرشاد الناجح، والثقافة الصحيحة، والوَرع الصّادق، والتّقوى الخالصة، ماتت به اُمّةٌ تهتدي به، وشعبٌ يستضي‏ء بنوره، فحقّ له - عندئذٍ - أن يُقام لموته ويُقعد وتُقام له الذّكريات والمهرجانات، تخليداً لاسمه ورسمه، ودعوة الناس إلى اتّباع هداه، والاقتفاء لآثاره، فهو وإن ظنّ النّاس أنّه مات لكنّه حيّ عند اللَّه يُرزَق، حيٌّ باسمه وأثره، حيٌّ بنتاجه وآثاره، فالرّجل كلّ الرّجل من خلّف لنفسه ذِكراً جميلاً، يفوح شذا عطره بعد موته».
المرء بعد الموت أُحدوثةٌ
يفنى وتبقى منه آثارهُ‏
فأحسن الحالات حال امرئٍ‏
تطيب بعد الموت أخبارهُ‏
هكذا كان الحجّة الأمينيّ الذي كانت له الأيادي النّاصعة، والمساعي النّاجحة، والآثار الخالدة في الإسلام، تبقى على‏ مرّ اللّيالي والأيّام، فهل تستعظم بعد ذلك ما كان لموته من الأثر الهائل، والألم العامّ الشّامل في نفوس الاُمّة جمعاء، فإنّهم فقدوا بفقده شيخ الحفّاظ والمحدّثين، ذلك البطل الذي أفنى سبعة عقودٍ من حياته الكريمة في خدمة العقيدة، ونشر علوم آل محمّدعليهم السلام، وهي إن دلّت على شي‏ء فإنّما تدلّ على صدق إخلاصه في العمل للَّه ورسوله وأهل البيت صلوات اللَّه عليهم، معتصماً متمسّكاً بحبلهم، فيعزّ على المسلمين مصاب فقدِه المؤلِم، ورزؤه الفاجع الذي يُثير الشِّجون، ويستنزف ماء العيون، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون.
ألمَّ بشيخنا الأمينيّ المرض العضال من كثرة انكبابه على المطالعة والكتابة، فبقي طريح الفراش أشهراً عديدةً في النجف الأشرف، وعُولِج من قِبل الأطبّاء فعقمت المعالجة، فسافر إلى إيران فدخل مستشفى آريا فبقي فيه أشهراً غير يسيرة، وعولج من قِبل الأخصّائيّين فما نجعت المعالجة، فسافر إلى‏ لندن ودخل المستشفى وعُولج من قِبل الأخصّائيّين هناك فما نجعت المعالجة أيضاً، فعاد إلى‏ طهران ودخل مستشفى‏ آريا بتاريخ 18 ربيع الثاني سنة 1390ه ، وقد انتشر به المرض الذي كان قد ألمَّ به منذ تسعة أعوام حتّى أصاب كبده، وأُصيب باليرقان، وفي يوم 25 من الشهر المذكور أيس أطبّاء المستشفى من معالجته، فنقل إلى داره، وفي يوم الجمعة 28 ربيع الثاني سنة 1390ه ، في الساعة الحادية عشرة والدقيقة العاشرة قبل الزوال فارقت روحه الطاهرة الحياة، وغُسِّل فجر السبت وأودع المثلج، وفي يوم 7 جمادى الاُولى من السنة نفسها نُقل جثمانه الطّاهر على‏ متن الخطوط الجويّة العراقيّة في الساعة الخامسة بعد الظهر إلى بغداد، وهبط بها في الساعة السابعة مساءً، واستُقبل جثمانه من قِبل العلماء والأشراف من أهالي النجف الأشرف وكربلاء والكاظميّة وبغداد، وبعد أن طِيفَ به في روضة الإمامين الكاظمين‏عليهما السلام توجّه الجثمان إلى كربلاء، فاستقبله علماؤها وأهاليها، وبعد أداء الزيارة والطواف به في روضة الحسين‏عليه السلام وروضة العبّاس سلام اللَّه عليه، توجّه إلى النجف الأشرف، وأودع ليلاً في جامع مدرسة جامعة النجف الأشرف حتّى صباح يوم الأحد 8 جمادى الاُولى من السنة المذكورة، وشُيِّع من هناك تشييعاً فخماً من قِبل علمائها وأهاليها حتّى الصحن العلويّ المبارك، وبعد فريضة الصلاة عليه من قِبل الإمام الحجّة السيّد أبو القاسم الخوئي - دام ظلّه - وأداء الزيارة في الحضرة العلويّة والطواف به فيها توجّه إلى حيث دُفن بجنب مكتبة الإمام أمير المؤمنين‏عليه السلام التي أسّسها في مقبرةٍ خاصّةٍ، وذلك في الساعة 11 قبل الظهر.
فإلى رحمة اللَّه ورضوانه أيّها الرّاحل العظيم، يا مِثال التقوى والفضيلة ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾35الفجر (89): 27 - 30.، وسلامٌ عليك يوم وُلدت ويومَ مُتّ ويومَ تُبعَثُ حيّاً.
واُقيمت على روحه الطاهرة التأبينات العديدة في العراق وطهران وفي سائر مدن إيران من يوم وفاته حتّى أربعين يوماً، وفي يوم الأربعين رُثيَ بمراثٍ عديدة نظماً ونثراً، كما عُقد له مجلسٌ تأبيني بمناسبة مرور سنة على وفاته في النجف الأشرف.
وقد أرّخ عام وفاته العلّامة الأديب السيّد محمّد هادي الصّدر الكاظمي، فقال:
العلم يندب شجواً
ليث الثّرى والعرينِ‏
والدّين ينعاه فذّاً
بِلَوْعَةٍ وأنينِ‏
إنّ الغدير سيبقى‏
ذكرى هدىً ويقينِ‏
مردّداً باعتزازٍ
أمجاد عبد الحسينِ‏
عاش الحياةَ عظيماً
وماتَ خير دفينِ‏
يبكي الغريّ فأرّخ‏
لعظم رزء الأميني‏

للفاضل الأديب السيّد محمّد مهدي الخرسان‏ راثياً الحجّة الأميني‏رحمه الله‏
أأبا الغدير وحسبُ مجدك كنيةٌ
شعّت به كالشمس في الإشراقِ‏
إنّ المودّة والولاء تصافيا
بيني وبينك والغدير تلاقي‏
«فمودّةٌ بين الرِّجال تضمّهم‏
وتلفّهم خيرٌ من الأعراقِ»
ولرُبّ قربى في الولاء ودونها
نَسَبٌ تفتّت في شقاء شقاقِ‏
يا ثاقب الرّأي الذي عزماته‏
جلّت فجلّى فائزاً بسباقِ‏
خلّدت نفسك في الحياة بمزبرٍ
خطّ الخلود بناصع الأوراقِ‏
فأسلت نفساً في مداد سطورها
حتّى هطلت بوابلٍ غيداقِ‏
وإذا الغدير وأنت فيه مُخرجٌ‏
من لؤلؤٍ قد عزّ في الأسواقِ‏
حتّى إذا حلّيت جيداً عاطلاً
بجواهرٍ يلمعن في الأعناقِ‏
وتجاوبت من قارئيك قلوبهم‏
ما بين ثابتها ومن خفّاقِ‏
وأسرت لبّ القارئين تلهّفاً
وغدا غديرك مصرعَ العشّاق‏
فعلى الغدير أقمتَ عند ضفافه‏
شُمّ الصّروح لباحثٍ توّاقِ‏
أسّستَ مكتبة الإمام وكم لها
قد جبتَ في الأقطارِ والآفاقِ‏
فكلاهما أودعتَ جهداً بالغاً
فسموتَ في فضلٍ وفكرٍ راقي‏
إمّا مضيت ثكلتَ أرضاً لم تَلِد
لكَ ثانياً من باحثٍ خلّاقِ‏
أعزِز عليَّ بأن أقول مؤنّباً
والبدرُ يَبكي في ليالِ محاقِ‏
لا يحلونّ لك الرّثاء وهذه‏
هضبات عزٍّ شدّتهنّ بواقي‏
فبما بنيت فأنتَ طَودٌ شامخٌ‏
وبما كتبتَ فأنت حيٌّ باقي‏
بهما الخلود وأنت حيٌّ فيهما
واللَّه من شرّ الزّمان الواقي‏
وقال الخطيب البارع السيّد عليّ الهاشميّ النجفي مؤرِّخاً عام وفاته أيضاً:
ناعي الأمينيّ أدميت القلوب أسىً‏
ينعيك العلم والقرطاس والقلما
فردّدت نعيَه الأقطارُ قاطبةً
وأبنّته حِداداً حوزة العلما
وكلّ عينٍ جرت دمعاً عليه كما
قد عاد أرّخته «سيل الغدير دما»
وقال الفاضل الأديب السيّد محمّد الحلّي النجفي مؤرّخاً عام وفاته أيضاً:
لقد صدم النجفَ المرتضى‏
مصابٌ طغى بالأسى والشِّجونِ‏
وجفّت به عذبات الغدير
وأذوت له زَهرات الفنونِ‏
ومكتبةٌ لُفّقت بالسّواد
تؤبّنه بدموع العيونِ‏
وللدِّين حزنٌ يذيب الفؤاد
وللعلم شَجوٌ عظيم الأنينِ‏
وتبكي الفضيلة تاريخه‏
«وتنعى الشريعة فيها الأمينيّ»
وقال العلّامة الأديب الشيخ فرج القطيفي مؤرّخاً عام وفاته أيضاً:
ماتَ الأمينيّ الإمام الشّهير
كاتب موسوعة يوم الغدير
لم ينعه النّاعي ولكنّما
مُذ أرّخوه «جاء ينعى الغدير»
سنة 1390


۱. فهرس مكتبة العلّامة السيّد محمّد صادق بحر العلوم، أحمد علي مجيد الحلّي، مؤسّسة تراث الشيعة، قم، ۱۴۳۱، ص ۲۹۰ - ۲۹۵. وراجع ترجمته في الكتاب المذكور، ص ۱۷ - ۳۷.
۲. البقرة (۲): ۱۵۷.
۳. الحجّ (۲۲): ۴۶.
۴. بقلم فَرهَنگ نَخَعي، كاتب خراساني‏
۵. الحجّ (۲۲): ۴۰.
۶. الأحزاب (۳۳): ۳۳.
۷. المائدة (۵): ۶۷.
۸. البقرة (۲): ۱۵۷.
۹. خاتمة المطاف في البلاد الهندية.
۱۰. العلق (۹۶): ۴.
۱۱. الأعراف (۷): ۱۷۳.
۱۲. الغافر (۴۰): ۱۱
۱۳. الأعراف (۷): ۱۸۰.
۱۴. الواقعة (۵۶): ۷ - ۸.
۱۵. طبع بعد ذلك في أربع مجلّدات محقّقاً.
۱۶. الفجر (۸۹): ۱۴.
۱۷. الأحزاب (۳۳): ۲۳.
۱۸. النساء (۴): ۶۹.
۱۹. تجد هذا التقريظ في كتاب الكشكول، للمحقّق الطهراني، طبع مكتبة مجلس الشورى الإسلاميّ.
۲۰. يعني الموافقة للرازي وتلخيصه للزمخشري.
۲۱. النّقل: بفتح النّون ما ينتقل به على الشراب من فستقٍ وتفّاح ونحوهما.
۲۲. الخود: الحسناء، تجاب: تقطع.
۲۳. رميّة: فريسة. الرّخاخ: جمع رخّ وهو من قطع الشطرنج.
۲۴. اللّعاب: الملاعبة.
۲۵. السّوابح: الخيول السريعة، الكِعاب: أطراف القنا.
۲۶. قال ابن الفوطي (ص‏۲۳۶): «في هذه السنة (أي سنة ۶۵۶ه) توفّي الوزير مؤيّد الدِّين محمّد ابن العلقمي في جمادى الآخرة ببغداد، وعمره ثلاثٌ وستّون سنة، كان عالماً فاضلاً أديباً، يحبّ العلماء ويسدي إليهم المعروف، وتوفّي علم الدِّين أحمد أخوه بعده، ومجد الدِّين محمّد بن طاووس العلويّ، والقاضي موفّق الدِّين أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني في جمادى الآخرة فرثاه أخوه عزّ الدِّين عبد الحميد، فعاش عزّ الدِّين بعده أربعة عشر يوماً.
۲۷. الأحزاب (۳۳): ۴۷.
۲۸. محمّد (۴۷): ۷.
۲۹. الطلاق (۶۵): ۳.
۳۰. إبراهيم (۱۴): ۱۲.
۳۱. آل عمران (۳): ۱۵۹.
۳۲. العنكبوت (۲۹): ۶۹.
۳۳. البقرة (۲): ۲۵.
۳۴. التوبة (۱۰۶): ۱۰۶.
۳۵. الفجر (۸۹): ۲۷ - ۳۰.